
من الممكن أن تُوجِّه الحرب في أوكرانيا ضربة مفجعة إلى كثيرٍ من أشد بلدان العالم فقرا: ف
.. وخلال العام القادم، من المتوقع أن ترتفع فاتورة استيراد القمح والأرز والذرة في هذه البلدان بما يعادل أكثر من 1% من إجمالي الناتج المحلي. ويزيد هذا على مثلي حجم الزيادة التي حدثت في 2021-2022، وبالنظر إلى صغر حجم هذه الاقتصادات نسبيا، فإنها تعادل في الحجم أيضا مثلي الزيادة المتوقعة للاقتصادات متوسطة الدخل.
بعض البلدان التي تخوض بالفعل غمار أزمة مديونية وغذائية متزامنة.
ولكن هناك كذلك عدة بلدان متوسطة الدخل معرضة لهذا الخطر أيضا، منهالا شك أن وقوع أزمة غذائية هو أمر مُدمِّر في حد ذاته. فعلى سبيل المثال، تسببت الأزمة الغذائية في 2008 في زيادة معدلات سوء التغذية لاسيما بين الأطفال. وفي البلدان الفقيرة، اضطرت الأزمة الأسر إلى بيع مقتنياتها الثمينة لشراء الطعام. وتُجبِر الأسر الأشدّ فقراً على إخراج أطفالها من المدارس، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع معدلات تسرب ما يصل إلى 50% بين أطفال هذه الأسر من الدراسة. ولكن حينما تتزامن الأزمة الغذائية مع أزمة مديونية، فإن التداعيات تكون مضاعفة، إذ تصيب الديون المرتفعة الحكومات المحلية بالشلل، وتصبح المساعدات الدولية المخرج الوحيد من الضائقة.
من المصادفات أن ثلث احتياجاتها من القمح من هذين البلدين، وفي 15 بلدا منها ترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 50%. ولا توجد سوى فرص ضئيلة في الأجل المنظور لإيجاد مصادر بديلة: إذ إن إمدادات المعروض الإقليمية صغيرة نسبيا، والبنية التحتية للنقل وقدرات التخزين محدودة على أي حال.
. إذ يستورد ما يصل إلى 25 اقتصاداً أفريقيا، منها بعض أفقر الاقتصادات ما لا يقل عنعلاوة على ذلك، فإن مشكلة الديون في هذه الاقتصادات قد بدأت تتفاقم قبل جائحة كورونا بوقت طويل. وبنهاية عام 2020، بلغت الديون العامة والمضمونة من الحكومة لدائنين أجانب في هذه الاقتصادات مستوى قياسيا قدره 123.8 مليار دولار، مرتفعة نحو 75% عما كانت عليه في 2010. وتُشكِّل مدفوعات خدمة أعباء الديون في هذه الاقتصادات الآن نحو 10% من عائدات صادراتها ارتفاعاً من أقل من 4% قبل عشرة أعوام.
كانت هذه البلدان تفتقر بالفعل إلى القدرة على مجابهة صدمة جائحة كورونا، وهو ما أوقع كثيراً منها في حالة مديونية حرجة. وبالنظر إلى المليارات التي سيتعين على هذه البلدان هذا العام دفعها من أعباء خدمة ديونها العامة والخارجية المضمونة من الحكومة، فإن قدرتها على معالجة أزمة غذائية وشيكة تكاد تكون منعدمة. وستحتاج إلى المساعدة من الخارج.
ويجب أن تكون الخطوة الأولى على طريق الخلاص هي تعزيز المساعدات الطارئة إلى البلدان المعرضة للخطر. وخلال الخمسة عشر شهرا القادمة،
. ويجب أن تذهب المساعدات الدولية إلى السكان المعرضين لخطر مباشر، وذلك بمساعدة الحكومات على تقديم تحويلات نقدية مجدية ومُوجَّهة إلى الأسر الأكثر احتياجاً. وينبغي أيضا أن تساعد هذه الأموال البلدان المعرضة للخطر على القيام بالاستثمارات اللازمة لتحسين قدرة المزارعين على الحصول على الأسمدة، وإحداث تحوُّل في أنظمتها الغذائية المحلية حتى تصبح أكثر إنتاجية وكفاءة وقدرة على الصمود في وجه الصدمات.بالإضافة إلى تقديم مساعدات طارئة، تتشارك جميع البلدان التزاماً بالحيلولة دون تدهور الأوضاع في البلدان المعرضة لأشد مخاطر حدوث أزمة غذائية. ولكن كثيرا منها تُكرِّر بالفعل أخطاء الأزمة الغذائية في 2008. فمن أجل تخفيض الأسعار المحلية يفرض كثير من البلدان قيودا على صادرات الأغذية والأسمدة. وحتى أوائل يونيو/حزيران، كان 34 بلدا قد فعلت هذا، ما يقرب من عدد البلدان التي اتخذت هذه الإجراءات خلال الأزمة الغذائية 2008-2012. وأفضت هذه الجهود إلى نتائج عكسية حتما، متسببة في صعود الأسعار لا في انحسارها.
أخيرا، بالنسبة للبلدان التي ترزح تحت أعباء ديون يتعذر الاستمرار في تحملها، يجب أن تكون الأولوية الملحة هي إعادة هيكلة الديون وتخفيف أعبائها. وسيلقى عدد متزايد من البلدان منخفضة الدخل صعوبة في خدمة أعباء ديونها هذا العام. وإذا كانت تقترب من هذا الوضع، فإنه ينبغي لها أن تطلب تخفيفا من أعباء الديون من خلال إطار مجموعة العشرين المشترك لمعالجات الديون. وحتى الآن، لم تفعل هذا سوى ثلاثة بلدان، وقد يُثني بطء خطى التقدم في سعيها البلدان الأخرى عن اتخاذ هذه الخطوة. وقد اقترح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عدة خيارات لتسريع العملية والتشجيع على المشاركة الكاملة للدائنين من القطاع الخاص.
ولهذا يجب على واضعي السياسات في أنحاء العالم الالتزام بالتحرك على وجه السرعة وبخطى حاسمة للحيلولة دون وقوع تلك الأزمة.
انضم إلى النقاش