يا لها من صورة "سيلفي" تلك التي التقطتها على شاطئ رملي أبيض خلاب، أو في حديقة غَنَّاء مترامية الأطراف في إحدى المدن، أو على قمة سلسلة جبال عند غروب الشمس! إنها أكثر من مجرد صورة لك. إنها تجسد جاذبية الطبيعة الساحرة للناس حول العالم ودورها الحيوي في تعزيز السياحة العالمية.
تُعد السياحة أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي، حيث تمثل قاطرة قوية لجهود توفير الوظائف والحد من الفقر. وعلى الصعيد العالمي، يسهم هذا القطاع بأكثر من 10% من إجمالي الناتج المحلي، كما يسهم في توفير نحو 370 مليون وظيفة، تشغل النساء والشباب أكثر من نصفها، مما يجعله واحداً من أكبر وأسرع القطاعات نمواً على مستوى العالم.
وترتبط المنافع الاقتصادية للسياحة مباشرةً بجودة البيئة. فغالباً ما يتجنب الزوار الشواطئ الملوثة والهواء السام والشعاب المرجانية التي تفتقر إلى الحياة. أما النظم الإيكولوجية السليمة والتنوع البيولوجي، فيمكنهما جذب السياح، كما أنهما عنصران أساسيان لدعم سبل العيش المستدامة على كوكب صالح للعيش.
ومن خلال الاستفادة من قيمة المناظر الطبيعية والبحرية والحياة البرية والتراث الطبيعي، تتيح السياحة القائمة على الطبيعة فرصةً كبيرةً لمواءمة التنمية الاقتصادية المحلية مع أهداف الحفاظ على البيئة، وتوفير بيئة أنظف تعود بالنفع على السكان المحليين والزوار على حد سواء. وفي نهاية المطاف، تحقق السياحة القائمة على الطبيعة ثلاثة من أهم المكاسب، وهي: الحفاظ على التنوع البيولوجي، وتوفير وظائف مُنتِجة، وتحقيق عوائد اقتصادية قوية.
ولا يمكن اعتبار السياحة القائمة على الطبيعة ضمن قطاعات السياحة المتخصصة، حيث تشهد السياحة القائمة على الطبيعة نحو 8 مليارات زيارة سنوياً إلى المناطق المحمية، التي تغطي 17% من مساحة اليابسة في العالم و8% من مساحاته البحرية. وتوفر هذه الزيارات منافع اقتصادية كبيرة، حيث تتراوح مُضاعِفات دخل الأسر المحلية بين 2 و5 دولارات تقريباً مقابل كل دولار يُنفقه السائح.
وفي العديد من البلدان، تشكل السياحة القائمة على الطبيعة نسبةً كبيرة من إجمالي العمالة. ففي عام 2018، على سبيل المثال، ساهمت بنسبة 8% من إجمالي الوظائف في أوغندا، وتظهر التقديرات أنها يمكن أن توفر 10% من إجمالي الوظائف في جمهورية لاو الديمقراطية الشعبية. وحتى أصغر الاستثمارات في هذا القطاع يمكن أن يكون لها تأثير كبير. فعلى سبيل المثال، أدى تمويل بقيمة 352 ألف دولار متنزه نوسي تانيكيلي البحري الوطني في مدغشقر إلى تحقيق منافع اقتصادية بلغت 23.2 مليون دولار لصالح المجتمعات المحلية المحيطة.
وتتميز العديد من هذه الوظائف بجودتها العالية وتركزها حول العمال الريفيين، مما يساعد البلدان على تنويع مصادر الدخل في المناطق الريفية، وإشراك المجتمعات المحلية بشكل فعّال، وخلق حوافز أقوى لحماية البيئة وإدارة المخاطر البيئية. وتستفيد البلدان النامية بشكل متزايد من هذا التوجه عن طريق الاستثمار في مواردها الطبيعية، وتعزيز مؤسساتها، بالإضافة إلى بناء قواها العاملة الماهرة.
وللمساعدة في تسريع وتيرة هذه الفرص، تساند مجموعة البنك الدولي البلدان لاعتماد نهج متكامل يربط بين الحفاظ على البيئة والمجتمعات المحلية ورأس المال. فعلى سبيل المثال، في جمهورية لاو الديمقراطية الشعبية، تلقت "أمفاي موكشانتاي"، وهي شابة صغيرة وتملك فندق فوسي ثالانغ، مساندةً مالية لتحديث مرافق الفندق وزيادة عدد الموظفين وخدمات الإرشاد السياحي في متنزه ناكاي نام ثيون الوطني المجاور، مما أتاح لها فرصة مضاعفة أنشطة أعمالها. ومن خلال هذه الاستثمارات، يمكن لرواد الأعمال والشركات المحلية تنمية وتعزيز المنتجات السياحية المراعية للحفاظ على الطبيعة.
ولا يزال هناك الكثير مما يجب إنجازه. فرغم الإمكانات الهائلة للسياحة القائمة على الطبيعة، تواجه العديد من البلدان عقباتٍ كبيرة، وخاصة فيما يتعلق بإرساء أسس سياسات داعمة، واستقطاب الاستثمارات الخاصة، وإدارة رأس المال الطبيعي وغيره من الأصول.
وهناك جزء أساسي آخر من الاستثمار في الطبيعة يتمثل في الاستثمار في العنصر البشري. وتُعد برامج التدريب والتعليم المهني التي تحركها آليات السوق أساسيةً لبناء قوة عاملة ماهرة قادرة على تلبية الطلب المتزايد على التجارب السياحية عالية الجودة القائمة على الطبيعة.
ويُعد التعاون المبكر مع القطاع الخاص أمراً بالغ الأهمية، إلى جانب تنفيذ إصلاحات تنظيمية مدروسة. ويضمن هذا النهج مواءمة الاستثمارات العامة مع طلب السوق، فضلاً عن توفير القواعد المستقرة والشفافة التي تحتاجها الشركات للاستثمار بثقة وإدارة أنشطتها وعملياتها على نحو مستدام.
ويشكل التلوث والتدهور البيئي تهديداً كبيراً لفرص السياحة. فمع سعي البلدان إلى تطوير قطاعاتها السياحية، يجب أن يزداد وعيها بأهمية رأس المال الطبيعي وعدم التعامل معه باعتباره أمراً مسلماً به. وتُعد السياسات والممارسات الفعّالة للتخفيف من المخاطر البيئية عاملاً حاسماً في هذا المسار.
ومع أن السياحة القائمة على الطبيعة تمثل جزءًا واحدًا فقط من إستراتيجية أوسع نطاقاً للسياحة في أي بلد، فإنه ينبغي تطويرها بالتوازي مع القطاعات الأخرى، مثل السياحة الثقافية والتراثية. ومن خلال تكامل هذه العناصر المترابطة، يمكن بناء صناعة أكثر توازنًا واستدامة؛ صناعة يساعد رواد الأعمال مثل "أمفاي" بالفعل في بنائها.
وما قصة "“أمفاي" إلا مثال قابل للتكرار. ولتحقيق الإمكانات الكاملة للسياحة القائمة على الطبيعة، يجب على واضعي السياسات وقادة القطاع الخاص والمجتمعات المحلية وشركاء التنمية التعاون الوثيق لتكوين شراكات قوية تسهم في زيادة الفرص، وتوسع نطاق الأثر، وتضمن أن تكون الطبيعة بحق محركاً للتنمية الذكية والشاملة للجميع.
انضم إلى النقاش