لا يزال معدل تعبئة التمويل المناخي غير كاف إلى حد كبير، ولكنه آخذ في الارتفاع. ومع تعبئة الأموال من أجل الاستثمارات، فإن التربح و(محاولات) الفساد ستكون من بين المخاطر المتوقعة لا محالة. لذلك لا ينبغي لنا أن نتفاجأ أو يصدمنا هذا الأمر. ولكن يجب تحديد مخاطر التربح والفساد ومعالجتها على نحو استباقي من أجل الحفاظ على نزاهة جهود تمويل الأنشطة المناخية ومصداقيتها وكفاءتها، والأهم من ذلك فعاليتها.
يمكن للفساد أن يقوض جهود التكيف عندما تضيع أو يُساء توجيه الأموال المخصصة لإنشاء بنية تحتية صغيرة الحجم للحماية من العواصف والفيضانات أو لتخزين المياه . وقد تواجه الإنشاءات في المواقع النائية مخاطر متزايدة نظرًا لضعف الإشراف عليها. ويمكن أن يؤثر الفساد أيضًا على المشاريع الوطنية الكبرى التي تستهدف التكيف مع تغير المناخ أو التخفيف من حدته، وذلك عن طريق النزول بمستوى جودة الإنشاءات؛ ويمكن أن يؤثر على مناخ الاستثمار بطريقة تؤدي إلى تأخير أو إعاقة الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة وغيرها من عناصر التحول في مجالي الطاقة والنقل. وتواجه الجهود الرامية إلى الحفاظ على الغابات أو استعادتها خطر الرشاوى المدفوعة لاختراق جهود الحماية وتسهيل قطع الأشجار بشكل غير قانوني . ويمكن أن تتجاوز الأضرار الناجمة عن الفساد مبلغ التمويل الذي يساء تخصيصه بكثير. فإذا كانت الإنشاءات التي تستهدف حماية منطقة ما بإحدى المدن من ارتفاع منسوب مياه البحر دون مستوى الجودة المطلوبة بسبب الفساد وتعرضت للانهيار، فقد تكون التكاليف خسائر في الأرواح والممتلكات. وإذا تسبب الفساد في تباطؤ الاستثمارات في التحول في مجالي الطاقة والنقل، فلن تقتصر التكاليف بالمثل على التكاليف المالية فقط. وأدت الشكوك التي أثيرت في أوائل عام 2023 بشأن مصداقية الشهادات الخاصة بالتعويض عن انبعاثات الكربون التي تقدمها الأسواق الخاصة الطوعية - مما يشير إلى عدم الاهتمام الكافي بتضارب المصالح - إلى تراجع الاستثمارات في هذه الأسواق في الأشهر اللاحقة.
استضاف المنتدى العالمي لمكافحة الفساد من أجل التنمية الذي عُقد مؤخرًا نقاشًا حول التحول الأخضر ومكافحة الفساد، والذي اقترح عددًا من نُهُج التصدي لهذه التحديات. وكان هناك إجماع على أن الحجم المتوقع للتمويل - حتى وإن كان أقل من المستوى المتوقع أو المطلوب - يعني أن توجيه اهتمام أكبر لمخاطر الفساد صار أمرًا بالغ الأهمية، وأن قنوات التمويل الخاصة المتعددة التي يجري إنشاؤها تتطلب الشفافية والاهتمام بكيفية استخدام الأموال، بما في ذلك استخدامها من جانب منظمات المجتمع المدني.
وأسفر النقاش عن سبعة نُهج مقترحة كما يلي:
- دراسة المخاطر، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد منها، ومواصلة التعلم وتعديل الإجراءات وفقًا لدرجة نجاعتها. وينطبق هذا النهج على جميع أنواع قنوات التمويل وأساليبه.
- وضع معايير الشفافية وتعزيزها. وينطبق هذا النهج على النتائج، المتوقعة منها والفعلية، كما ينطبق على شفافية تدفقات التمويل.
- تطبيق المساءلة الشاملة بدلاً من تركيزها على الجوانب المالية فقط. وتُعد فعالية الاستثمارات المنفذة وعدالتها أكثر أهمية من حساب الدولارات التي تم إنفاقها.
- إدارة مخاطر الفساد بحيث لا تكون عقبة لا مبرر لها أمام إنجاز الأعمال. تُعد الحاجة الملحة للاستثمارات في التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها كبيرةً للغاية. ويجب أن تكون الأولوية لاستخدام نُهج تخفيف مخاطر الفساد التي لا تؤدي إلى إبطاء الاستثمارات دون مبرر .
- استخدام التكنولوجيا للحفاظ على كفاءة جهود المساءلة. وهذا لا يعني الثقة العمياء في التكنولوجيا لأن التقييم والتحليل البشري، وكذلك أعمال التفتيش والفحص على الأرض، كلها أمور مهمة. لكن التكنولوجيا يمكن أن تكون أحد الأصول الرئيسية أيضًا في تتبع التمويل والنتائج دون تأخير أو تكلفة إضافية لا داعي لهما.
- إشراك أصحاب المصلحة المحليين مع أخذ السياقات في الاعتبار. ويمكن لممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص أن يلعبوا أدوارًا مهمة – وإن كانت متفاوتة حسب السياق. وفي بعض الأحيان، قد يكون أصحاب النفوذ المحليين هم الأقدر على مراقبة الاستثمارات في التكيف مع تغير المناخ وتنفيذها على أرض الواقع وفق المخطط لها. وأصبح إشراك المجتمعات المحلية في إدارة الغابات أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق النجاح المستدام، لكنه يبدو أكثر فعالية عندما يكون لها دور أقوى في صنع القرار بشكل عام.
- مواصلة الحوار مع المستثمرين الدوليين والمحليين. وسيعتمد التخفيف من آثار تغير المناخ بشكل كبير على استثمارات القطاع الخاص، كما يعتبر الحوار مع المستثمرين أفضلَ طريقة لمعرفة ما هو مطلوب لضخ المزيد من الاستثمارات بشكل أكبر وأسرع، فضلاً عن معرفة مخاطر الفساد المحتملة التي تؤثر على جدوى الاستثمارات.
إن التصدي للتداخل بين تغير المناخ والفساد أمرُ بالغ الأهمية، حيث لا يمكن تركه للدراسة من جانب المتخصصين فقط، أو النظر إليه على أنه مسألة ثانوية يمكن التطرق إليها لاحقًا، بل يجب أن يكون جزءًا أساسيًا ومتكاملاً في جميع مراحل دورات التمويل والاستثمار.
انضم إلى النقاش