تترتب على أحكام القوانين التي تمنع المرأة من حق منح جنسيتها لأطفالها أو زوجها آثار اقتصادية بعيدة المدى، لا سيمّا، حصولها وأسرتها على الخدمات الأساسية وفرص العمل اللائقة، مما يُفاقم انعدام الأمن الاقتصادي للمرأة وأسرهن ويؤدي إلى استمرار دوائر الفقر عبر الأجيال، ووفقاً لأحدث تقرير عن المرأة وأنشطة الأعمال والقانون، لا تزال أكثر من ربع الاقتصادات تفرض قيوداً على نقل جنسية المرأة إلى أبنائها.
الوضع الراهن لقوانين الجنسية
تشير البيانات إلى أن 28 اقتصاداً من بين 190 بلداً شملتها الدراسة لا تزال تفرض قيوداً على حق المرأة في نقل جنسيتها لأطفالها كما الحال بالنسبة للرجل (الشكل 1أ)، على سبيل المثال، تمنح قوانين الجنسية في كل من الكويت والصومال الرجال فقط الحق في نقل جنسيتهم إلى أطفالهم، وفي بعض البلدان، مثل ليبيا، تُمنح استثناءات قانونية محدودة للنساء المتزوجات من أزواج عديمي الجنسية (البدون) بهدف الحد من حالات انعدام الجنسية بين الأطفال.
التمييز في منح الجنسية بين الزوجين
تُظهر البيانات أن 50 اقتصاداً لا تزال تمنع النساء من منح جنسيتهن لأزواجهن الأجانب على قدم المساواة مع الرجال (الشكل 1ب)، وبينما لا تنص غالبية قوانين الجنسية صراحةً على حق المرأة المتزوجة في منح جنسيتها لزوجها الأجنبي، فإن بعض القوانين الأخرى تفرض تمييزاً مباشراً ضد المرأة في هذا الشأن، فعلى سبيل المثال، في الكاميرون، تحصل الزوجات الأجنبيات تلقائياً على الجنسية عند الزواج، بينما تُحرم المرأة الكاميرونية المتزوجة من أجنبي من هذا الامتياز، ولا يُمنح أزواجهن الأجانب الجنسية إلا بعد استيفاء مجموعة محددة من شروط التجنيس، وبالمثل، في بنغلاديش، يمكن للأزواج الأجانب الحصول على الجنسية البنغلاديشية من خلال التجنيس بعد الإقامة لمدة عامين، بينما تحصل الزوجة الأجنبية على الجنسية فور الزواج.
التفاوت الإقليمي في حقوق المواطنة
تتركز قوانين الجنسية الأكثر تمييزاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث لا تسمح 85% من اقتصادات المنطقة (17 بلداً) للنساء من أن يمنحن جنسيتهن لأطفالهن وأزواجهن على عكس ما تسمح به للرجال، تليها منطقة جنوب آسيا، حيث تفرض 50% من الاقتصادات (4 بلدان) قيوداً مماثلة، ثم منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 37.7% (17 بلداً) (الشكل 2)..
التقدّم المُحرز والإصلاحات
رغم ما تقدم، أحرزت العديد من البلدان في مختلف المناطق تقدماً ملحوظاً نحو مواءمة قوانين الجنسية مع الالتزامات الدولية والإقليمية، ففي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، ورغم أن بروتوكول الحق في الجنسية لم يدخل حيز التنفيذ حتى عام 2024، فقد أسهمت المناقشات حول اعتماده في إطلاق سلسلة من الإصلاحات القانونية، ومنذ اعتماد القرار الأول في عام 2013، اتخذت عدة بلدان، من بينها السنغال، ونيجيريا، ومدغشقر، وليسوتو، وملاوي، وغينيا، وليبيريا، وبنن وكابو فيردي، خطوات متتابعة لإزالة الأحكام التمييزية من قوانينها الخاصة بالجنسية. وفي السنغال، قامت منظمات المجتمع المدني بدور محوري دعم الإصلاحات القانونية، وفي الوقت نفسه قامت المحاميات بدور فعّال في التصدي للأحكام التمييزية أثناء مراجعة قانون الجنسية. وفي بنن، قام الجهاز القضائي بدور رئيسي في دفع عجلة الإصلاح القانوني. وفي قرار تاريخي صدر عام 2014، ألغت المحكمة الدستورية في بنن عدة أحكام تمييزية في قانون الجنسية، مما مكّن النساء من منح جنسيتهن لأطفالهن وأزواجهن الأجانب على قدم المساواة مع الرجال، وبعد مسار إصلاحي استمر ثماني سنوات، ألغت بنن أخيراً الأحكام التمييزية بين الجنسين في قانون الجنسية بموجب القانون رقم 32-2022 الصادر في 20 ديسمبر/كانون الأول 2022. ومع ذلك، لا تزال بعض بلدان مثل موريتانيا، وسيراليون وتوغو تشهد جموداً في قوانين الجنسية، حيث تظل هذه القوانين متأثرة بالقوالب النمطية للمرأة والتحيزات الثقافية، على الرغم من الجهود المستمرة التي تبذلها المنظمات النسائية لمناصرة التغيير.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
عندما تُحرم المرأة من حق نقل جنسيتها، يواجه أطفالها أو زوجها عقبات قانونية تحول دون حصولهم على الميراث، وامتلاك العقارات، والالتحاق بالعمل الرسمي، وتشكِّل هذه القيود تحدياً لوحدة الأسرة وتماسكها، حيث تواجه النساء في الزيجات من جنسيات مختلفة صعوبات في الحصول على الخدمات الاجتماعية والتعليم والموارد المالية، وفي بعض الحالات، عندما لا يحمل الأطفال جنسية الأم، فإنهم يصبحون عرضة لخطر انعدام الجنسية وحمل لقب بدون، مما قد يحرمهم من الحق في خدمات التعليم الأساسي والرعاية الصحية، أو يجعل تكاليفها باهظة وغير ميسورة، وبالمثل، عندما يُحرم الزوج من حق الحصول على جنسية زوجته، تصبح فرصه في التوظيف محدودة للغاية.
الخلاصة
يمثّل إلغاء الأحكام التمييزية في قوانين الجنسية ضرورة اقتصادية واجتماعية، حيث يُسهم في توسيع الفرص الاقتصادية للمرأة، وتعزيز استقرار الأسرة، وتمكين نصف المجتمع من المشاركة الفاعلة في دفع عجلة النمو الاقتصادي الوطني.
انضم إلى النقاش