نشر في أصوات

إطلاق العنان لتمويل الصناعات الإبداعية

الصفحة متوفرة باللغة:
Image Photo: Clement-C/peopleimages.com/Adobe Stock #665455114

 


تُعد الصناعات الإبداعية، مثل الأفلام والموسيقى وتصميم الأزياء والإعلان، مصدراً متزايد الأهمية للنشاط الاقتصادي على مستوى العالم، حيث تُحقق إيرادات تُقدر بنحو تريليوني دولار، كما توفر أكثر من 50 مليون وظيفة، لاسيما للشباب. لكن هذه الصناعات تكافح للحصول على التمويل الذي تحتاج إليه لتحقيق كامل إمكاناتها التجارية.

قوة الصناعات الإبداعية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية

الصناعات الإبداعية هي الأنشطة التي تقوم بتحويل الأفكار والملكية الفكرية والتراث الثقافي إلى سلعٍ أو خدماتٍ إبداعية. وتكتسب هذه الصناعات أهميةً خاصة في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، إذ تتيح فرصاً للشباب والنساء الذين غالباً ما يواجهون العوائق التي تحول دون مشاركتهم في النشاط الاقتصادي. وفي البلدان منخفضة الدخل والشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، شكل الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً نحو ربع عدد العاملين في المهن الثقافية. وكشفت سلسلة حديثة من دراسات الحالة للصناعات الإبداعية التي قام البنك الدولي بإجرائها في بعض البلدان أن الصناعات الإبداعية تسهم بنسبة تتراوح بين 4% و15% من إجمالي الناتج المحلي والوظائف، كما هو الحال في الفلبين والبرازيل وكوريا والولايات المتحدة. ومع ذلك، وعلى الرغم من الإمكانات وتنوع التحديات، تواجه منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة العاملة في هذه الصناعات تحدياتٍ مستمرة تتعلق بقدرات الشركات، والبيئة التنظيمية، وفرص الحصول على التمويل، لا سيما عند مقارنتها بنظيراتها في الاقتصادات المتقدمة.

الفجوة التمويلية ودور الملكية الفكرية

يتمثل أحد أكبر المعوقات في عدم إمكانية الحصول على موارد تمويلية مرنة وميسورة التكلفة. وقد تحول الاستثمار العالمي صوب الأصول غير الملموسة، حيث غالباً ما تتجاوز قيمة الملكية الفكرية قيمةَ الأصول الملموسة. وتمثل الأصول غير الملموسة الآن نحو 80 تريليون دولار على مستوى العالم. ووفقاً لقاعدة البيانات العالمية للاستثمار في الأصول غير الملموسة التابعة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية وكلية لويس للأعمال والتي تغطي 26 بلداً تمثل 52% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، فقد تجاوز إجمالي الاستثمارات في الأصول غير الملموسة باستمرار الاستثماراتِ الملموسة، حيث زاد بوتيرة أسرع ثلاث مرات خلال الفترة 2008-2023. وعلى الرغم من أن كل هذا الاستثمار لا يرتبط بالصناعات الإبداعية، فإن هذا يؤكد الأهمية الاقتصادية المتزايدة للأصول غير الملموسة مثل الملكية الفكرية، بما في ذلك العلامات التجارية وحقوق التأليف والنشر وبراءات الاختراع. وفي حين أن الملكية الفكرية تتمتع بإمكانات هائلة كأصول مالية، إلا إنها غير معترف بها عالمياً كضمان لأغراض كفاية رأس المال. وتجدر الإشارة إلى أنه بموجب النهج الموحد لمخاطر الائتمان في إطار اتفاقية بازل 3، فإن الأصول غير الملموسة، بما في ذلك الملكية الفكرية، غير مؤهلة كضمانات عينية للحد من التعرض لمخاطر الائتمان، مما يحد من استخدامها في تأمين القروض.

ويتفاقم هذا التحدي في العديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية نتيجة لعدم وجود أنظمة ضمانات قوية وأطر تنظيمية لا تسهل استخدام الملكية الفكرية كضمانات. كما أن نقص المعرفة والرؤى والبحوث المتعلقة ببعض الجوانب الجوهرية، مثل تقييم الملكية الفكرية والمعايير المحاسبية وتقييم المخاطر وديناميكيات السوق، تتسب جميعها في إعاقة إحراز تقدم. ولا تتسبب هذه الفجوة في إعاقة نمو منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة الإبداعية فحسب، بل أيضاً خنق الابتكار والقدرة الاقتصادية على الصمود.

أبحاث البنك الدولي حول استثمار الملكية الفكرية وتمويل منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة الإبداعية

يعكف البنك الدولي، بمساندة من صندوق الشراكة بين كوريا والبنك الدولي والصندوق الاستئماني CreatiFi على إيجاد حلول تمويل جديدة لمنشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة العاملة في مجال الصناعات الإبداعية لتقديم رؤى ثاقبة حول الممارسات والنهج الجيدة القائمة لتمويل منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة الإبداعية في مختلف مراحل تطورها.

وتتمثل إحدى الخطوات الأولى الرئيسية في استكشاف الآليات والإصلاحات التنظيمية التي تسهم في تمكين منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة المبدعة من تحويل أصولها الخاصة بالملكية الفكرية إلى أموالٍ من خلال نماذج تسييل الأصول التقليدية مثل حقوق التأليف والنشر والإتاوات التي تمنحها مؤسسات الإدارة الجماعية لحقوق الملكية الفكرية، والنماذج الرقمية مثل "freemium" وإيرادات الإعلانات من المنصات الرقمية والرموز غير القابلة للاستبدال. كما يُعد تحديد سعر الملكية الفكرية ومساندة الشركات لتحقيق إيرادات أو إتاوات من الملكية الفكرية الخاصة بها أمراً في غاية الأهمية لمساعدة منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة في القطاع الإبداعي على زيادة فرص حصولها على التمويل بشكل رسمي.

ومن جانبنا، نقوم بدراسة الاحتياجات التمويلية الفريدة لمنشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة في القطاع الإبداعي، من الشركات الناشئة إلى منشآت الأعمال الراسخة، ونقترح إستراتيجيات لسد الفجوة التمويلية. وسيكون دور الملكية الفكرية باعتبارها أصولاً غير ملموسة من بين محاور التركيز الرئيسية لمطبوعاتنا ومنشوراتنا القادمة حول هذا الموضوع، واستكشاف كيف يمكن لأنظمة الضمانات الداعمة والابتكار مثل العقود الذكية والإصلاحات التنظيمية أن تمكن رواد الأعمال المبدعين من استثمار ملكيتهم الفكرية بشكل فعال. وعن طريق التصدي لتحديات مثل التقييم وإدارة المخاطر والاعتراف باللوائح التنظيمية وحمايتها، نأمل أن يكون هذا البحث نقطة انطلاقٍ للبدء والمساهمة في الحوار العالمي حول تمويل الصناعات الإبداعية القائم على استثمار الملكية الفكرية. ويعمل البنك الدولي حالياً على مشروع أوسع نطاقاً يسمى "الصناعات الإبداعية من أجل الوظائف والنمو"، حيث تعمل فرق التمويل وتنمية القطاع الخاص معاً على جانبي العرض والطلب لتمويل منشآت الأعمال الابتكارية الصغيرة والمتوسطة.

دعوة للعمل

قام حوار المنظمة العالمية للملكية الفكرية بشأن تمويل الملكية الفكرية، وهو مؤتمر عقد في جنيف في شهر مايو 2025 وضم واضعي السياسات والخبراء الماليين والمبتكرين والأكاديميين، بتسليط الضوء على الحاجة الملحة لإعادة التفكير في كيفية تمويل الإبداع والابتكار. ومع استمرار اقتصاد الأصول غير الملموسة في إعادة تشكيل الأسواق العالمية، يجب عدم إهمال اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ويلتزم البنك الدولي بالمساهمة في هذا الحوار، وبالعمل مع الحكومات والمؤسسات المالية والمنظمات الدولية لتهيئة بيئة مواتية لجذب المزيد من استثمارات رأس المال الخاص وتسهيل تطوير الصناعات الإبداعية بما يسهم في توفير الوظائف وتحقيق النمو.


انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000