نشر في أصوات

مطلوب عالمات (لإطعام العالم)

الصفحة متوفرة باللغة:

Image

قبل بضع سنوات، اجتزت عملية اختيار صعبة لشغل وظيفة باحث بإحدى الجامعات الألمانية وأصبحت ضمن قائمة نهائية لم تضم سوى شخص آخر. لقد كانت امرأة، ورغم أننا كنا نمتلك مؤهلات مماثلة، فإن الاختيار وقع عليها لشغل الوظيفة. اختارتها الجامعة لقوة مؤهلاتها فضلا عن سياسة الجامعة في منع التمييز عن غير وعي في التوظيف: أي أنه في الحالات التي يعتبر فيها العديد من المتقدمين على المستوى نفسه من الكفاءة، تعطى الأولوية للنساء.
 
مازال هناك الكثير مما ينبغي القيام به لزيادة مشاركة المرأة في مجال العلوم – إذ إن نسبة النساء بين العاملين في مجال البحوث في العالم لا تتجاوز 28%. 


وهذه مشكلة أيضا بالنسبة للعلوم الزراعية. ففي جميع أنحاء العالم، قلما تضم البلدان التي بها معاهد بحوث زراعية ناشئة باحثات زراعيات. لنأخذ غرب أفريقيا، على سبيل المثال، حيث بذل البنك الدولي جهودا كبيرة لبناء القدرات البحثية في مجال الزراعة، فإن نسبة الإناث الباحثات تتراوح من 4% في غينيا إلى نحو 20% في غانا. وكنقطة مرجعية في هذا الصدد، ففي هولندا التي تتمتع بنظام ناضج في الابتكار، تبلغ نسبة مشاركة النساء العالمات 37% من الباحثين.
 
تحسين التوازن بين الجنسين في مسائل العلوم الزراعية

 

Nancy Huanca
نانسي هوانسا كانت تشارك في برنامج بحثي
استراتيجي عن القمح، والآن هي مسؤولة في
بنك الجينات (Genbank) عن أكبر مجموعة من الأجنة الوراثية
لنبات الكينوا في العالم – والتي تضم أكثر من ثلاثة آلاف
إضافة للأغذية فائقة القيمة. © البنك الدولي
 
"إنني أشعر بالفخر، فقد انتهيت العام الماضي
من رسالتي وحصلت على درجة الهندسة الزراعية
رغم العديد من العقبات على طول الطريق... إنني أطمح
إلى الاستمرار في العمل كباحثة." نانسي هوانكا
 
إن الاعتقاد بأن الرجال جبلوا على أن يكونوا أفضل من النساء في العلوم الزراعية هو مجرد خرافة- لكنها تظل شائعة.  وتؤكد إحدى الباحثات القليلات بمعهد الابتكار الزراعي في بوليفيا أنها أبدت قدرات في البحوث الزراعية تضاهي بل وتفوق العديد من الباحثين الذكور. وأنا اتفق تماما مع هذا. فخلال السنوات التي عملت بها في بوليفيا، حيث يسود اعتقاد عفا عليه الزمن بتفوق الذكور، لم تطأ قدماي أي مختبرات أفضل إدارة من تلك التي تديرها عالمات إناث.

لا شك أن تدني تمثيل المرأة في مجال العلوم الزراعية يبعث على القلق حينما يأخذ المرء في الحسبان تحديات التنمية الغذائية والزراعية.  ففي العديد من المناطق والبلدان، يشهد الإنتاج الزراعي عملية "زيادة مشاركة المرأة" مع توجه عنصر الرجال إلى البحث عن فرص عمل بعيدا عن الزراعة، وتزايد خضوع بعض المنتجات لسيطرة المرأة. وتفرض الباحثات منظورا أساسيا عندما يتعلق الأمر بفهم الاحتياجات الخاصة للمرأة على المستوى الشعبي، وتزويدها بالتكنولوجيا المفيدة. فمن أقدر من المرأة على تصميم تقنيات زراعية للمرأة من العلماء الإناث اللائي خبرن الاحتياجات الجسمانية والتحديات اليومية للمرأة؟ علاوة على ذلك، هناك مجالات مهمة معينة تحتل فيها المرأة بؤرة الاهتمام. على سبيل المثال، فإن تطوير تكنولوجيات تراعي احتياجات التغذية من خلال الباحثين الذكور فقط ليس سوى أضغاث أحلام، ولا يرجح أن يفضي إلى نتائج أكثر تأثيرا.
 
كيف نستطيع أن نزيد مشاركة المرأة في البحوث الزراعية؟  
 
التعليم العالي أولا!
 
أعربت لي مؤخرا إحدى المهندسات الزراعيات الشابات بالمعهد الوطني للابتكارات الزراعية والغابات في بوليفيا (INIAF) عن مدى اعتزازها بإتمام شهادتها العلمية العام الماضي. إني أتفهم مباعث فخرها، لأنه في بلدان كبوليفيا، فإن حصول المرأة على درجة البكالوريوس في العلوم الزراعية أو أي مجال تقني آخر يضاهي اقتحام المرأة عالم السياسة في ثلاثينيات القرن الماضي. بيد أن المسيرة لم تتوقف هنا. للمشاركة الفعالة في البحث، ينبغي أن تواصل المرأة تدريبها العلمي، إلا أن نسبة النساء اللائي يكملن رسائل الماجستير والدكتوراه أقل بكثير.

في البلدان التي تشكل فيها الضغوط الاجتماعية والثقافية حجر عثرة أمام المرأة بشكل خاص، تغدو الإجراءات الرامية إلى تحقيق المساواة بين الجنسين آلية ملائمة لزيادة قدرة المرأة على إتمام التعليم الثانوي والعالي. على سبيل المثال، يتضمن مشروع يموله البنك الدولي لدعم المنظومة الوطنية للابتكار الزراعي في بيرو برنامجا للمنح للحصول على درجة الماجستير، يطمح إلى تقديم ما لا يقل عن 35% منها إلى النساء.
 
تعزيز الثقة بالنفس وبالقدرة على القيادة
Rozzana Medina
تتولى روزانا ميدينا منذ نحو 10 سنوات إدارة مختبر التلقيح الصناعي. ويحفظ البنك المجموعة الكاملة لجينات المحاصيل الدرنية البوليفية ومحاصيل أخرى. © البنك الدولي
 
"نتمتع نحن النساء بقدرات تضاهي، إذا لم تكن تفوق، قدرات الرجال في مجال البحوث الزراعية إذا أتيحت لنا الفرصة...إنني فخورة بإدارة بنك الجينات الزراعية في بوليفيا...فزيادة عدد النساء في المعهد الوطني للابتكارات الزراعية والغابات في بوليفيا ستثري جهود هذه المؤسسة." روزانا ميدينا

 
كثيرا ما يلاحظ أثناء مناقشات تعميم المساواة بين الجنسين في مشاريع التنمية الزراعية –عن حق في رأيي- أنه يتم التغاضي عن مصالح المرأة بسبب خجل العديد من النساء وإحجامهن عن التحدث بصراحة على الملأ. وفي مجالات البحث والتنمية، يحدث شيء مماثل. وقد سمعت شهادات من نساء كثيرات منخرطات في البحث يصفن مدى التحديات والإحباطات التي يواجهنها لكي يتم الاستماع إليهن ويستطعن شق طريقهن في مجال يسوده الرجال.
 
وقد اطلعت مؤخرا على مبادرة مثيرة لدعم العالمات الزراعيات: مبادرة المرأة الأفريقية في البحوث والتنمية الزراعية التي يستضيفها المركز العالمي للحراجة الزراعية وتركز على تقوية المهارات العلمية والقيادية للمرأة. وعلى المنوال نفسه، ظلت المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية على مدى العقد الماضي تعمل من أجل مساعدة الشابات العاملات في مجال البحوث على الارتقاء المهني، وذلك من بين مبادرات أخرى تتعلق بالمساواة بين الجنسين.
 
معالجة العقبات التي تضعها المؤسسات أمام المرأة
 
مازلت أذكر مدى الألم الذي ألم بي عندما فقدت فرصة العمل كباحث في جامعة مرموقة دوليا. ومع هذا، فإنني أرى الآن أن الجامعة الألمانية قد اتخذت الخيار الصحيح. فمؤسسات البحث تحتاج إلى انتهاج سياسات جريئة لمجابهة التحيز غير الواعي وتضييق الفجوة بين الجنسين.
 
في بوليفيا، حاول البنك الدولي مساعدة المعهد الوطني للابتكارات الزراعية والغابات على تذليل العقبات أمام الباحثات، وتباينت النتائج. لقد تعلمنا أن السياسات المؤسسية التي تشمل الجميع ينبغي أن تغطي طائفة كبيرة من المجالات، من التوظيف إلى مواعيد العمل وتوفير الرعاية للأطفال. وتعلمنا أيضا أن إجراءات تيسير الترقي المهني للنساء العاملات في مجال البحوث تستغرق وقتا حتى تؤتي أكلها. وهذا ما يفسر استغراق الجمعية التعاونية للبحوث الزراعية (EMBRAPA) في البرازيل 25 عاما لكي تضاعف نسبة الباحثات الإناث لديها.
 
إن إطعام العالم الآن وفي السنوات القادمة يشكل تحديا مضنيا. فإذا تم التصدي لهذا التحدي بنجاح، سيتعين تعبئة جميع الموارد المتاحة. ومن هذا المنطلق، لا نستطيع تجاهل المساهمات الهائلة التي يمكن أن تقدمها المرأة للبحوث الزراعية والتنمية. والعالم يحتاج بوضوح إلى المزيد من النساء العالمات.

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000