يعاني قطاع السياحة حالياً حالة من الشلل التام. وعلى الرغم من جهود واضعي السياسات حول العالم للتخفيف من الأثر الاقتصادي لجائحة فيروس كورونا المُستجد (COVID-19)، فإن قطاع السياحة لن يتمكن من بدء التعافي إلا بعد أن تتم السيطرة على حالة الطوارئ الطبية ورفع قرارات حظر السفر بصورة آمنة. وكلما طال أمد هذه الأزمة الصحية، تزايدت صعوبة استمرار الشركات وقدرتها على البقاء، لاسيما الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تشكل نسبة كبيرة من قطاع السياحة، وتزايدت تبعاً لذلك أعداد العمّال المُتضررين.
وتشعر الحكومات بالقلق عن حق، حيث أوضحت أخر الإحصائيات الصادرة عن المجلس العالمي للسفر والسياحة أن هذا الخطر يُهدد نحو 50 مليون وظيفة في هذا القطاع عبر العالم ، بانخفاض يقدر بنحو 12 و14%. ففي بعض البلدان، تسهم السياحة بالنصيب الأكبر من إجمالي الناتج المحلي، وتُعد أكبر مصدَرٍ للعملات الأجنبية وتوفير فرص العمل، لاسيما للفئات الأكثر احتياجا والنساء والشباب. وقد تحولت هذه الأزمة الصحية بالفعل إلى أزمة اقتصادية وطنية في العديد من البلدان النامية التي تعتمد بصورة كبيرة في إجمالي ناتجها المحلي على عائدات السياحة – بنسبة 20% لحوالي 37 بلداً.
في السابق، استثمر العديد من الوجهات السياحية غير المتضررة في حملات ترويجية لاجتذاب من لا تزال لديهم الرغبة في السفر. أما الآن فيظهر جلياً أن التسويق لأي نوع من أنواع السفر – حتى محلياً – هو أمر غير مسؤول في ظل الظروف الحالية. فوفقاً لتوجيهات منظمة الصحة العالمية، تقع على عاتقنا جميعاً مسؤولية القيام بواجباتنا للإسهام في "السيطرة على منحنى تفشي هذا المرض" والحد من انتشاره. وهذا يعني الحد من التنقلات وتخفيض كل أشكال المُخالطة بما في ذلك السفر.
واستشرافا لآفاق المستقبل وإدراكا منهما لجسامة الوضع، يبدي القطاع والوجهات السياحية العالمية تفهما لحساسية هذا الوضع ويعملان على بناء الثقة – حيث عدّلت إستونيا حملة ترويجية على تويتر ليكون شعارها "زُر إستونيا لاحقاً" بدلا من "زر إستونيا" مع ضرورة #البقاء_في_المنزل حالياً #stayhome.
ومن الصعب التنبؤ بموعد تحقق التعافي من هذه الأزمة، لكن على المدى القريب، تتبع الحكومات وشركات القطاع الخاص تدابير لإدارة الأزمة بُغية حماية قطاع السياحة قدر المُستطاع. وحيثما تمكنّا من تنسيق الإجراءات المختلفة وتحقيق التكامل فيما بينها، فسيمكن التعافي من هذا الوضع بصورة أسرع على الأرجح. وفيما يلي بعض الأمثلة الجديرة بالاهتمام:
- إيجاد مصادر إيرادات بديلة. تعمل الوجهات السياحية وقطاع السياحة على ابتكار سبلٍ جديدة لتحقيق بعض الإيرادات في ظل الإحجام عن السفر. فعلى سبيل المثال، طرح بعضها برامج لقسائم السداد لاحقاً – مثل "برنامج أنا أحب مانشستر" و"استمتع في منزلك" لتقديم محتوى من الجولات الافتراضية والأدلة الصوتية للوجهات السياحية، أو تقديم محاضرات عبر الإنترنت لتعليم الطهي على طريقة المطاعم أو الفنادق الشهيرة، ولممارسة اليوجا والاستفادة من خدمات المُنتجعات الصحية، وخدمات توصيل الطعام من المطاعم.
- تقليل خسائر الإيرادات. ألغى قطاع السياحة رسوم تغيير موعد الحجز، ليحث السائحين على تأجيل رحلاتهم بدلاً من إلغائها.
- التخطيط والتواصل. تتضافر جهود مجتمعات الوجهات السياحية واتحاداتها لتشكيل مجموعات افتراضية للاستجابة لحالات الطوارئ، تحقيقاً لأهداف عديدة من بينها الإجماع على إغلاق جميع معالم الجذب السياحي ومراقبة المشترين والمُستهلكين والتواصل معهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولابد أن ينصب تركيز أفضل وسائل التواصل على الشفافية والوضوح بشأن المخاطر الصحية وتعداد الحالات وتدابير التخفيف، كما فعلت حملة "زُر كوبنهاجن وسالزبورغ" في النمسا. كما يحتمل أن يسهم الاتفاق المشترك في الردّ على التساؤلات المهمة المقدمة من الحكومة والقطاع المالي ورابطات القطاع واتحادات العمال في تسريع اتخاذ الإجراءات المُناسبة.
- توفير المعلومات لكل العاملين بالقطاع. يمكن للحكومات والاتحادات إعداد الأدلة الإرشادية وعرض أحدث المُستجدات حول كافة التدابير السارية على القطاع أو على أعضائه – وكيفية الحصول على الدعم. وقد أعد الاتحاد الوطني لأصحاب العمل الحرّ والشركات الصغيرة في المملكة المُتحدة عرضاً تفصيلياً شاملا لجميع تدابير المساندة.
- تخفيف الأعباء الضريبية. تعمل الحكومات على تأجيل أو تخفيض مدفوعات ضريبة الدخل وضريبة العقارات غير السكنية وضريبة القيمة المضافة وغيرها من الرسوم المُستحقة على الشركات، بما في ذلك تأجيل سداد الضريبة المستقطعة من المنبع، ومنح إجازات مرضية مدفوعة الأجر لتخفيف أعباء العاملين بأجور مخفضة. وقد أعلنت نيوزيلندا تطبيقها لحزم إعفاءات ضريبية واسعة النطاق، كما أصدرت ميانمار قراراً بالإعفاء من ضريبة الدخل المسبقة على الصادرات بنسبة 2%.
- دعم مكافحة التلوث. توفر الحكومة الدعم المالي أو الإمدادات إلى الشركات لمساعدتها في تغطية تكاليف السيطرة الفعلية على تأثيرات الفيروس، مثل خدمات التنظيف الشامل، كما فعل صندوق دعم التنظيف في سنغافورة مع الفنادق.
- توفير السيولة. تعمل الحكومات والمؤسسات المالية وغيرهما من الجهات الأخرى على تقديم المنح والتمويل أو رأس المال البديل لأكثر المُنشآت الصغيرة والمتوسطة عُرضة للخطر، ولننظر مثلا إلى استجابة إدارة الشركات الصغيرة في الولايات المتحدة، إلى جانب تقديم التسهيلات الائتمانية ورأس المال العامل.
- تخفيض الديون. تعمل البنوك على تخفيف أعباء الرهون العقارية وتأجيل سداد أقساط القروض.
- إعادة توزيع الأصول. تشهد الوجهات السياحية فرصاً لإعادة توزيع العاملين لديها أو أصولها السياحية من أجل دعم برنامج الصحة العامة، مثل إعادة تدريب فريق الضيافة الجوية لتقديم الدعم في مُنشآت الفحص أو استخدام الفنادق كمنشآت للرعاية الصحية للمرضى الذين يعانون من مخاطر صحية خفيفة.
وتتعاون مجموعة البنك الدولي مع شركائها لتوفير معلومات وبيانات موثوقة حول ما يمكن توقعه وما يمكننا تعلمه من الأزمات السابقة التي أضرت بقطاع السياحة – مثل الأزمة المالية العالمية وإنفلونزا الخنازير وفيروس سارس وموجات تسونامي وفيروس إيبولا. وحيثما توفرت بالفعل برامج سياحية بالتعاون مع عملاء الوجهات السياحية، فسندرس توجيه موارد تلك البرامج للمساعدة في التغلب على الأزمة الحالية، ودعم حكومات البلدان المتعاملة معنا فيما يتخذونه من تدابير لجعل السياحة أكثر استقراراً وقدرة على مقاومة الأزمات واستعدادا للتعافي الذي سيأتي في نهاية المطاف.
انضم إلى النقاش