تشكل الأزمات المتعددة التي تواجهها البلدان النامية اليوم انتكاسة كبيرة للتنمية . فقد أدت الحرب في أوكرانيا والتوابع الناجمة عن جائحة كورونا إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية والأسمدة والطاقة. وقد أسهم هذا بدوره في ارتفاع مستويات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، فضلا عن مخاطر الركود التضخمي.
وعلى الصعيد العالمي، أدى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة إلى زيادة مخاطر انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والجوع، وهو ما أضعف أشد الناس فقرا في العالم. وقد تحملت الأسر الفقيرة بالفعل العبء الأكبر لأزمة كورونا. ففي عام 2020 وحده، ارتفع عدد من يعيشون تحت خط الفقر المدقع، من يعيشون على أقل من 2.15 دولار للفرد في اليوم، بأكثر من 70 مليون شخص- أكبر زيادة منذ عام 1990 على الأقل. وأصبح الكثير من الناس الذين كانوا يعيشون بالفعل في فقر مدقع أكثر فقرا. وواجهت الأسر الضعيفة أيضا أكبر انتكاسات في مجالي الصحة والتعليم. فحوالي 70% من الأطفال في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل يعانون من فقر التعلم، مما يعني أنهم في سن العاشرة لا يستطيعون قراءة نص أساسي أو فهمه.
وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت التحديات طويلة الأجل، لا سيما بسبب تغير المناخ والتغيرات الديموغرافية، أكثر إلحاحا، وأصبحت آثارها الاقتصادية والمالية العامة أكثر بروزا. فقد تسببت الفيضانات الأخيرة في باكستان في مقتل أكثر من 1500 شخص، في حين أن نوبات الجفاف تلحق أضرارا بالغة بالقرن الأفريقي وأمريكا الجنوبية، مما يؤثر على إنتاج الغذاء وتوليد الطاقة الكهرومائية ويلقي ملايين الأشخاص في دائرة انعدام الأمن الغذائي الشديد.
وقد أدت الأزمات المتعددة إلى خسائر كبيرة في الإيرادات في العديد من البلدان النامية. في الوقت نفسه، فإنها تخلق احتياجات تمويلية إضافية للتخفيف من الآثار السلبية على الأسر والشركات المعرضة للمعاناة. ونتيجة لذلك، شهد وضع المالية العامة لمعظم البلدان النامية مزيدا من التدهور. ويتعرض أكثر من نصف البلدان منخفضة الدخل والشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل المؤهلة للحصول على تمويل من المؤسسة الدولية للتنمية - صندوق البنك الدولي لمساعدة البلدان الأشد فقرا في العالم- حاليا لمخاطر مرتفعة من حيث المديونية الحرجة أو تعاني بالفعل من تعثر في المديونية .
ويؤدي ذلك إلى تفاقم الفجوات التمويلية الهائلة والمتزايدة في سعي البلدان النامية إلى تحقيق التنمية الخضراء القادرة على الصمود والشاملة للجميع.
فكيف يمكن للبلدان تقليص هذه الفجوات التمويلية الكبيرة وخلق حيز مالي تشتد الحاجة إليه - لاسيما مع زيادة أسعار الفائدة على التمويل بالدين؟
أولا، سيكون تحسين قدرة البلدان على تعبئة الموارد بكفاءة أمرا بالغ الأهمية لاستعادة قدرتها على الاستمرار في تحمل أعباء المالية العامة والديون.
وتراجعت الإيرادات الضريبية في عام 2020 بسبب جائحة كورونا بنسبة 12% بالقيمة الحقيقية على مستوى العالم، و15% في البلدان منخفضة الدخل والشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل. ويتعين على الحكومات إيجاد أكثر الطرق إنتاجية لتسريع وتيرة زيادة الإيرادات مع حماية الفئات الفقيرة والأكثر احتياجا، والحد من العبء الواقع على الاستثمار والقدرة على المنافسة، وتشجيع التنمية الخضراء القادرة على الصمود والشاملة للجميع .
وتتيح البيئة الحالية التي ترتفع فيها معدلات التضخم فرصة للبلدان لاستعراض أنظمتها الضريبية وجعلها أكثر حيادية تجاه التضخم. ومن خلال ربط المكونات المختلفة للضرائب المباشرة وغير المباشرة بالتضخم، ستساعد الحكومات في تخفيف أثر التضخم على الفئات الأقل دخلا مع ضمان استمرار الإيرادات الضريبية الحقيقية. ويمكن أن يتم ذلك لضرائب الإنتاج المحددة، وحد الإعفاء من ضريبة الدخل الشخصي، ومبالغ الخصم والائتمان.
فالهدف ليس فقط زيادة تحصيل الإيرادات، بل الأهم من ذلك، هو مكون محوري في نهج البنك الدولي لتعبئة الموارد المحلية. ولا يمكننا التأكيد بدرجة كافية على أهمية الإصلاحات التي تزيد القاعدة الضريبية وتعزز العدالة والإنصاف. ويشمل ذلك تعزيز الضرائب على المصادر التي غالبا ما تكون غير مستغلة، مثل المعاملات الرقمية والممتلكات والثروة. ومن التدابير الإيجابية أيضا ترشيد النفقات الضريبية وزيادة تصاعدية الضرائب من خلال التحول من الضرائب غير المباشرة إلى الضرائب المباشرة. وينبغي النظر في الضرائب البيئية والصحية - فهي يمكن أن توفر حوافز للتحول الذي تشتد الحاجة إليه نحو الطاقة المتجددة ونمط حياة أكثر صحة. وينبغي أيضا معالجة مواطن الضعف في النظام الدولي لضرائب الشركات للحد من المنافسة الضريبية الضارة، ومعالجة التهرب الضريبي، وتعزيز مكافحة التهرب الضريبي.
ثانيا، ستكون إصلاحات الحوافز الضريبية والدعم الضريبي أمرا بالغ الأهمية.
للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية، قام العديد من البلدان في مختلف أنحاء العالم بتطبيق أو زيادة الدعم. لكن إعانات الدعم لا تكون في الغالب موجهةً توجيهاً جيداً . فعلى سبيل المثال، يذهب نصف إجمالي الإنفاق على دعم الطاقة في الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل إلى أغنى 20% من السكان الذين يستهلكون نسبة أكبر من الطاقة.
وفي الوقت نفسه، تميل برامج التحويلات النقدية إلى أن تكون أكثر فعالية في الوصول إلى الفئات الأكثر احتياجا، حيث يذهب 60% من الإنفاق على هذه التحويلات إلى أفقر 40% من السكان.
ويمكن أن يحرر دعم الوقود الأحفوري والزراعي وحده ما يصل إلى 1.2 تريليون دولار من الأموال. ومن شأن إعادة توجيه هذه الموارد نحو حماية الفئات الأكثر احتياجا أن يكون أكثر فعالية - إلى جانب مساندة الإصلاحات الهيكلية التي تعزز الأمن الغذائي والانتقال إلى مصادر طاقة أكثر استدامة.
وتتمثل رؤيتنا في البنك الدولي في أن تعبئة الإيرادات على نحو أفضل وأكثر إنصافا أمر بالغ الأهمية لتحقيق نمو أكثر شمولا وقدرة على الصمود واستدامة . ونحن ملتزمون التزاما قويا بمساندة البلدان في تحقيق هذه الأهداف.
انضم إلى النقاش