خلال الاجتماعات السنوية للبنك الدولي لعام 2020 في الشهر الماضي، انصب تركيزنا بقوة على مناقشة جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) ومدى تأثيرها على حياة الناس والاقتصادات في جميع أنحاء العالم. وخلال اجتماع المائدة المستديرة للصحة العالمية، ناقشنا كيف يمكن للعالم الاستثمار في لقاحات كورونا وأيضاً تدعيم الأنظمة الصحية التي تقدم خدمات الرعاية الأولية.
وبينما كنا في اجتماعاتنا، كان العالم قد شهد بالفعل إصابة ما يربو على 41 مليون شخص، وأكثر من مليون وفاة، وذلك مع تزايد عدد الإصابات مرة أخرى على مستوى العالم. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن هذه الجائحة ستدفع نحو 150 مليون شخص للسقوط في براثن الفقر المدقع بحلول نهاية عام 2021.
وفي ظل هذه الخلفية والتطورات العاجلة، ضم اجتماع المائدة المستديرة أكثر من أربعة وعشرين وزيراً من حكومات بلدان نامية، بالإضافة إلى رؤساء وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بالصحة. واتفق المشاركون على أن الأولوية القصوى العاجلة للعالم هي تسريع وتيرة تطوير اللقاحات التي يمكنها السيطرة على تفشي فيروس كورونا وتوزيعها. ويتعين علينا ضمان إتاحة هذه اللقاحات على نحو عادل لجميع البلدان - ولاسيما البلدان الأكثر فقراً، التي لديها موارد محدودة لشراء تلك اللقاحات وتوزيعها .
مساعدة البلدان الأكثر فقراً على مكافحة فيروس كورونا وبناء القدرة على الصمود
يستحق البشر أينما كانوا التمتع بخدمات الحماية الصحية، وفي حالة حدوث جائحة، فما من أحد سيتمتع بحماية كاملة ما لم تتح الحماية لنا جميعاً. واتفق كل من شاركوا في اجتماع المائدة المستديرة الافتراضية على هذه النقاط، بل وأدركنا أيضاً أن ضمان التوزيع العادل والمنصف على البلدان والشعوب ذات الموارد المحدودة يمثل تحدياً هائلاً.
وعلى مستوى مجموعة البنك الدولي، عقدنا العزم على ألا نألوا جهداً في هذا الأمر. وخلال الاجتماعات، سلط الرئيس "ديفيد مالباس" الضوء على الإعلان عن تقديم حزمة تمويل بمبلغ 12 مليار دولار - وهي أكبر حزمة تمويل في مجال الصحة في تاريخ البنك -لمساعدة البلدان على شراء لقاحات كورونا وأدوات الاختبارات والعلاجات ذات الصلة. بالإضافة إلى ذلك، لدى البنك عمليات طوارئ لمكافحة فيروس كورونا قيد التنفيذ في أكثر من 100 بلد. ومن خلال البنك، ومؤسسة التمويل الدولية، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، تتوقع مجموعة البنك إتاحة 160 مليار دولار بحلول منتصف عام 2021 لمساعدة البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل على التخفيف من حدة الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن هذه الجائحة.
بالإضافة إلى الاستجابة العاجلة لجائحة كورونا، يجب علينا تقديم المساعدة للبلدان في بناء قدراتها على الصمود في وجه التحديات. على سبيل المثال، يمكن أن يساعد صندوقنا الجديد للتأهب والاستجابة للطوارئ الصحية البلدان النامية في اتخاذ استعدادات أفضل لمواجهة حالات تفشي المرض، بما في ذلك عندما لا تتمكن من الحصول على تمويلنا المنتظم. وقدم الصندوق أول مخصص مالي للسودان، ونعرب عن امتناننا لشريكينا المانحيَن وهما: اليابان، لدورها القيادي في إنشاء الصندوق، والمملكة المتحدة لما تقدمه حاليا من مساعدة فنية.
تدعيم الأنظمة الصحية والرعاية الأولية
إن إيصال اللقاحات على نحو سريع وعادل سيتطلب تعاوناً هائلاً . وألقى المتحدثون في اجتماع المائدة المستديرة الضوء على الحاجة إلى توّفر بنية تحتية قوية لسلاسل الإمداد - مثل أنظمة النقل، والجوانب اللوجستية، وأجهزة التجميد الفائق - من أجل إيصال اللقاحات والعلاجات، بما في ذلك عن طريق استخدام أنواع التكنولوجيا الرقمية وأنظمة المعلومات الجديدة. وستضطلع صناعة الطيران بدور بالغ الأهمية في عمليات التوزيع. وهذا ما عبر عنه أحد المتحدثين بقوله "إن اللقاحات لن تصل وجهاتها من تلقاء نفسها".
ومنذ وقت طويل، أصبح تدعيم أنظمة الرعاية الصحية الأولية في صميم عمل البنك الدولي في البلدان النامية. بالإضافة إلى ذلك، ستكون الأنظمة القادرة على الصمود مهمة من أجل توزيع اللقاحات، وأيضاً لضمان استمرار الخدمات الحيوية الأخرى في أثناء الجائحة، ولاسيما خدمات صحة الأمهات والأطفال. وتوضح التقديرات الأولى أن معدلات وفيات الأطفال قد تزيد بنسبة 45% مع تراجع الخدمات الصحية وقلة الحصول على الطعام.
واتفق الوزراء المشاركون على أن تكون الأولوية في جهود التصدي لفيروس كورونا للعاملين في المجالين الصحي والمجتمعي والأشخاص الآخرين الأكثر عرضة للخطر ، وأنه من الأهمية بمكان ضمان أن تكون أسعار اللقاحات في متناول اليد، وذلك عن طريق التعامل مع طرق دفع التكاليف والتصدي لأي معوقات تحول دون الحصول عليها.
وقد تحدثوا أيضاً بالتفصيل عن التحدي المتمثل في تعبئة ما يكفي من التمويل المحلي سواءً للتعامل مع التكلفة الهائلة لمكافحة تلك الجائحة، أو تقوية أنظمتهم الصحية بغية التصدي لأي حالات تفشي في المستقبل. ويعمل البنك الدولي - عبر المؤسسة الدولية للتنمية - على توفير الاستثمارات المهمة في البلدان الأكثر فقراً، بالإضافة إلى تقديم المساعدة الفنية، وإجراء عمليات مراجعة للإنفاق العام من أجل مساعدتها على رفع مستوى كفاءة الإنفاق. بالإضافة إلى ذلك، سيظل التعاون بين المانحين الدوليين أمراً مهماً لضمان تقديم التمويل والدعم في الوقت المناسب.
وأوضح المشاركون أن تعاون القطاع الخاص في هذا المجال سيكون بالغ الأهمية لتصنيع اللقاحات وإيصالها في البلدان النامية . من جانبها، أعلنت مؤسسة التمويل الدولية، وهي ذراع مجموعة البنك الدولي للتعامل مع القطاع الخاص، إطلاق منصة عالمية للخدمات الصحية بمخصصات قدرها 4 مليارات دولار للمساعدة في زيادة إنتاج لقاحات كورونا وعلاجاته في الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء - ولضمان قدرة بلدان الأسواق الصاعدة على الحصول عليها. وتعمل المؤسسة أيضاً مع شراكة إنتاج اللقاح، ممثلة في التحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة، لوضع خريطة للقدرة على تصنيع اللقاح وتحديد المعوقات التي تعترض هذه العملية.
دحض المعلومات الخاطئة
سلط اجتماع المائدة المستديرة الضوء على المخاوف بشأن انتشار المعلومات الخاطئة عن لقاحات كورونا وعمليات التحصين بشكل عام، وما يحيط بهما من خرافات وشكوك. واتفق المشاركون على أن حملات التواصل الوطنية والمجتمعية ضرورية لتبديد حالة التردد المتزايد لدى الناس في استخدام اللقاحات، وتوعيتهم بشأن حماية أنفسهم وأسرهم من هذا الفيروس . ويشمل هذا الأمر الاستعانة بقادة المجتمع المحلي والقيادات الدينية كقنوات جديرة بالثقة لإيصال المعلومات الصحيحة.
الشراكة والاستثمار لتحقيق تعاف قادر على الصمود
إن الشراكات القوية والتعاون الوثيق، داخل البلدان وعبر المناطق، هما في صميم العمل الفعال لمكافحة هذه الجائحة. وفي هذا السياق، تتعاون مجموعة البنك الدولي على نطاق واسع مع تحالف متنوع من الشركاء الدوليين، بما فيهم الجهات المانحة الثنائية، وبنوك التنمية متعددة الأطراف، ووكالات الأمم المتحدة المعنية، ومؤسسات العمل الخيري، والمنظمات العاملة في مجال الصحة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني.
على سبيل المثال، لدينا شراكة مع مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19، وهو تعاون عالمي يهدف إلى تسريع وتيرة تطوير اختبارات كورونا وما يتصل به من علاجات ولقاحات وإتاحتها، وندعم أيضاً مرفق "كوفاكس" بقيادة التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع، ومنظمة الصحة العالمية، والتحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة. ونعتقد أنه يمكن تحقيق الفوائد المرجوة من خلال آلية مشاركة جماعية في تحمل المخاطر من أجل الحصول على اللقاحات، وسنواصل التعاون مع التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع والشركاء الآخرين في تحسين هذه الآلية.
والواقع أن الطريق إلى تحقيق تعافٍ قادر على الصمود سيستلزم استثمارات ضخمة في البلدان المعنية، بالإضافة إلى التزام مستمر ودعم مالي من المجتمع الدولي. أما عملية إعادة البناء على نحو أفضل فستتطلب أجندات إصلاح جريئة، مع سياسات تتيح حيزاً مالياً، وتكفل تنفيذ استثمارات أكثر وأفضل في مجالي الصحة والتأهب لمواجهة الجوائح . ونظراً إلى هذه الصدمة غير المسبوقة التي تعرض لها رأس المال البشري في البلدان المعنية، فإنه يجب علينا أيضاً الحفاظ على استمرار الأطفال في التعلم، وتحسين فرص الحصول على الخدمات الرقمية، وتسريع وتيرة إيجاد فرص عمل.
إن مجموعة البنك الدولي على أتم استعداد لدعم البلدان النامية في مواجهة هذه الأزمة، وتعمل من أجل تحقيق تعافٍ أكثر شمولاً وقدرة على الصمود.
روابط ذات صلة
انضم إلى النقاش