تتعلق الحوكمة بزيادة الموارد ووضعها للاستخدام العام المنتج الخاضع للمساءلة. لكن الأزمات الأخيرة من الجائحة والحرب في أوكرانيا إلى أسعار الطاقة ونقصانها، دعت إلى زيادة دور الحكومة وزيادة الإنفاق الحكومي وزيادة التنافس مع الاحتياجات المجتمعية الأخرى على مصادر التمويل العام. وينبع من هذه الأنماط أنه يتعين على المجتمعات أن تواصل تحسين نظم الإدارة العامة لجمع موارد أكبر ومواجهة احتياجات متزايدة.
تعريف الحوكمة
كانت الحوكمة تُعرّف في البداية بشكل عام بأنها التقاليد والمؤسسات التي تُمارس بها السلطة في بلد ما. ومع مرور الوقت، توسع التعريف بشكل كبير ليشمل المزيد من الجوانب مثل مشاركة المواطنين، والهشاشة والصراع، والاحتواء، وتغير المناخ، والمساواة بين الجنسين. ويتمثل التحدي في هذا التعريف الواسع النطاق في أنه ليس قابلا للتنفيذ بسهولة. ومن الصعب تصور مشروع يغير العملية السياسية دون التعدي على الحكم الذاتي الديمقراطي. بل إنه من الأصعب التأثير على القواعد غير الرسمية التي تشكل السلوك الاقتصادي.
وفي هذه المدونة، نؤيد تعريفا أضيق وأكثر قابلية لتنفيذ الحوكمة، مثل: الحوكمة هى عملية جمع الايرادات الحكومية وادارتها بطريقة شفافة وقابلة للمساءلة لتلبية احتياجات المواطنين من الخدمات العامة . ويتم تحديد هذه الاحتياجات بطريقة تشاركية وديناميكية، ويخضع تحقيقها للتدقيق المستمر من جانب وسائل الإعلام والمجتمع المدني.
طلبات المشاركة في عملية الإصلاح
يتيح التعريف الذي يتبع زيادة الأموال العامة وإنفاقها مع تسليط الضوء على الدور المهم للشفافية والمساءلة ومشاركة المواطنين فائدة تحسين العملية التي يتم من خلالها تعبئة الموارد أو إنفاقها. وهذا بدوره يمكن أن يجعل الحوكمة أكثر قابلية للمساءلة. ونقدم أمثلة للحكومات في مختلف أنحاء العالم التي عززت حوكمتها من خلال تحسين عمليات الضرائب، وإدارة فاتورة الأجور، والمشتريات العامة.
وفي البلدان النامية، لا يتم تحصيل سوى القليل من الإيرادات من خلال الضرائب التقليدية نظرا لأن جزءا كبيرا من النشاط الاقتصادي يقع في الاقتصاد غير الرسمي. يمكن استخدام تكنولوجيا جديدة مثل الطائرات المسيرة للمساعدة في توسيع القاعدة الضريبية بتوثيق الممتلكات وفرض ضرائب عقارية محلية، أو باستخدام أنظمة الفواتير الإلكترونية . فعلى سبيل المثال، طبقت المكسيك إصدار فواتير إلكترونية في عام 2011، مما أسفر عن زيادة في تحصيل الإيرادات الضريبية كنسبة من إجمالي الناتج المحلي من 9.4% في عام 2010 إلى 10.4% في عام 2012. وفي عام 2004، وسعت جورجيا نطاق استخدام الخدمات الإلكترونية، مما أدى إلى تبسيط متطلبات دافعي الضرائب وتقليل الحاجة إلى عقد اجتماعات شخصية بين مسؤولي الضرائب ودافعي الضرائب. ونتيجة لذلك، ارتفعت الحصيلة الضريبية من 12% إلى 25% من إجمالي الناتج المحلي. وفي عام 2000، أنشأت إندونيسيا عدة مكاتب متوسطة للمكلفين، أي مكاتب ذات نسب أعلى بكثير من الموظفين إلى المكلفين، للإشراف على الإدارة الضريبية للشركات الكبيرة في مختلف المناطق. وزادت الإيرادات الضريبية بدرجة كبيرة - بنسبة 128% للشركات المشمولة - مقابل مكتب دافعي الضرائب الرئيسيين التقليدي، وذلك بتكلفة تقل عن 1% من الزيادة في الإيرادات .
وتتمثل إحدى القناتين الرئيسيتين لاستخدام الأموال العامة في التعاقد من خلال المشتريات العامة. وقد ركزت جهود الإصلاح الأخيرة في هذا المجال على إنشاء منصات للمشتريات الإلكترونية. وفي عام 2000، قامت شيلي برقمنة نظام المشتريات عن طريق استحداث شركة شيلي كومبرا. وأدى ذلك إلى مضاعفة مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة في أنشطة المشتريات العامة، وتعزيز الكفاءة، وجني وفورات مالية تبلغ نحو 3.5% أو 230 مليون دولار. وأدى تطبيق منصة بروزورو في أوكرانيا إلى تحقيق وفورات تقدر بنحو 10% من قيمة المشتريات. ونجحت بلدان أخرى في التركيز على بناء القدرات، وتحسين العلاقات بين القطاعين العام والخاص، وزيادة الشفافية والإنصاف، وتخفيض التكاليف.
أما القناة الهامة الأخرى لاستخدام الأموال العامة فهي إدارة شؤون الموظفين في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الأمنية نظرا لأن الحصة الأكبر من موازناتها هي على فاتورة الأجور العامة. وتشمل الإصلاحات في هذا المجال تدابير لتتبع الموظفين الحاليين، وخفض عدد الموظفين، وتحسين سياسات التعويضات، وتدعيم إدارة الموارد البشرية، وتنفيذ برامج التدريب وبناء القدرات. وقد نجح عدد من البلدان في تنفيذ هذه الإصلاحات، منها ألبانيا وبوليفيا وبلغاريا وإثيوبيا والهند وتنزانيا.
ويسمح التعريف المقترح هنا - والموضح في هذه الأمثلة الثلاثة - بوضع مشروعات الحوكمة ضمن النطاق الأوسع للتنمية.
ويتمثل أحد المجالات التي يمكن فيها تطبيق هذا المفهوم بسهولة في مراعاة البيئة في الاقتصاد. وفي التحول إلى المستوى المستهدف لبلوغ صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2030، يجب إنفاق أموال كبيرة من القطاعين العام والخاص لإعادة هيكلة قطاعات بأكملها مثل الطاقة والإنشاءات والنقل والزراعة. وتفوق تقديرات الاحتياجات التمويلية بكثير الإنفاق الجاري أو التعهدات التي قدمتها الحكومات حتى الآن في مختلف المحافل فيما يتعلق باتفاق باريس. دور الحوكمة في تعبئة وتوجيه الاستثمارات العامة الخضراء واضح، وكذلك دور الحكومة في قيادة المزيد من الأموال الخاصة.
انضم إلى النقاش