نشر في أصوات

اختيار محل نشاط الشركة: نقطة الانطلاق للنجاح

الصفحة متوفرة باللغة:
اختيار محل نشاط الشركة: نقطة الانطلاق للنجاح اختيار الموقع المثالي للشركة: قرار إستراتيجي يحفز أداء الشرك ويعزز نمو القطاع الخاص في مختلف الاقتصادات. | © shutterstock.com

رغم تسارع التحول الرقمي في عالمنا اليوم، لا يزال للموقع الجغرافي للشركات تأثير جوهري على نجاحها. وفي هذا السياق، تسلط هذه المدونة الضوء على فكرة قلّما يتم تناولها، مستندة في ذلك إلى بيانات من تقرير "الجاهزية لأنشطة الأعمال" (B-READY) الصادر عن البنك الدولي، وتركز هذه الفكرة على أهمية اختيار الموقع المناسب للشركة ومحل نشاطها الفعلي، لما له من أهمية إستراتيجية وتأثير مباشر على نجاحها بدءاً من زيادة عدد العملاء، وتوفر شبكات النقل المناسبة، وتجمعات القوى العاملة، والامتثال للمتطلبات التنظيمية والوفاء بالالتزامات البيئية. لذا، فإن الإلمام بهذا الجانب أمرٌ جوهري، لأنه يبرز الدور المحوري للقرارات الإستراتيجية بشأن محل نشاط الشركة، وتعزيز نمو القطاع الخاص وزيادة مشاركته في مختلف الأنشطة الاقتصادية.
 

كيف يقيس تقرير الجاهزية لأنشطة الأعمال مدى ملاءمة محل نشاط الشركة: الجوانب الرئيسية

كيف يقيس تقرير الجاهزية لأنشطة الأعمال مدى ملاءمة محل نشاط الشركة: الجوانب الرئيسية


ما الذي يميِّز الاقتصادات التي توفر مواقع متميزة لتأسيس الشركات

أجرى تقرير "الجاهزية لأنشطة الأعمال" دراسة تحليلية شملت 50 اقتصاداً، من حيث تسجيل الممتلكات، وتراخيص البناء، والتصاريح البيئية فيما يتعلق بمحل نشاط الشركة ، حيث تم تقييم مدى كفاءة الأطر التنظيمية، وجودة الحوكمة، وفاعلية تقديم الخدمات. وتُظهر البيانات أن الاقتصادات التي تحقق أداءً جيداً في مجال تهيئة "المكان المناسب لأنشطة الأعمال والشركات" تشترك في سمات معينة مثل الحجية القوية لحقوق الملكية، وكفاءة إدارة الأراضي، فضلاً عن تبسيط إجراءات استخراج تراخيص البناء. وعلى سبيل المثال، تتصدر جورجيا القائمة بتحقيقها 83.01 نقطة من 100، بينما تحقق إستونيا 80.40 نقطة بفضل استفادتها من تطور أنظمتها الحكومية الإلكترونية. وفي المقابل، حصلت غامبيا على درجة متواضعة تبلغ 33.4، متأثرةً بالتحديات التي تواجهها في تحقيق التوازن بين متطلبات الرقابة من ناحية وكفاءة تقديم الخدمات من الناحية الأخرى. وهكذا، تسلط هذه النتائج الضوء على العوامل والسمات الرئيسية التي تسُهم في توفير مواقع إستراتيجية تؤدي إلى نجاح الأعمال والشركات، مما يفسر تفوق بعض الاقتصادات في جذب المستثمرين ورواد الأعمال مقارنة بغيرها.


تقديم الخدمات العامة: الرقمنة والشفافية والتشغيل البيني

يؤدي تقديم الخدمات الرقمية إلى إحداث تحول جذري في الخدمات العامة المتعلقة بمحل نشاط الشركة، إذ يُقدَّم ما يقرب من 80% من الاقتصادات التي شملها المسح خدمات رقمية لتسجيل الممتلكات، وإصدار تراخيص البناء، والحصول على التصاريح البيئية. وتتصدَّر أوروبا وآسيا الوسطى جهود تقديم الخدمات الرقمية، حيث تُطبِّق بلدان مثل إستونيا وجورجيا حلولاً رقمية شاملة. ولهذا التحول أهمية بالغة، حيث يُبرهن على الأثر الكبير للرقمنة فيما يتعلق باختيار محل نشاط الشركة.

من ناحية أخرى، هناك تباين كبير في الأداء بين المناطق والأقاليم المختلفة، فلا تزال منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بحاجة إلى مزيد من التطوير. وفي المقابل، تبرز تجارب رائدة عالمياً في مجال رقمنة الخدمات العامة، حيث نجحت دول مثل كوستاريكا وإستونيا ونيوزيلندا ورواندا في تحقيق قفزات نوعية من خلال الجهود المستمرة والمنهجية. وتتميز هذه البلدان بتوفير منظومة متكاملة من المنصات الإلكترونية التي تغطي خدمات حيوية، بدءاً من نقل الملكية، مروراً بإصدار تراخيص البناء، وصولاً إلى الحصول على التصاريح البيئية. وعلاوة على ذلك، تبرز رواندا كمثال يُحتذى به في هذا المجال، حيث طورت منصة رقمية تفاعلية تتيح للمواطنين المساهمة في تحسين خدمات السجل العقاري والمساحي من خلال نظام متطور لتقديم الشكاوى والمقترحات.

تتصدر شفافية المعلومات قائمة المؤشرات الإيجابية في أداء البلدان، حيث تأتي كوستاريكا على القمة، تليها إستونيا ورواندا. ويظهر نجاح هذه البلدان في إتاحة المتطلبات والإجراءات وجداول الرسوم للجمهور بسهولة ويسر. في المقابل، تواجه بلدان مثل تيمور ليشتي وتشاد تحديات جوهرية في توفير المعلومات الأساسية لمواطنيها. وتعتمد كفاءة تقديم الخدمات العامة على الخدمات القابلة للتشغيل البيني فيما بين الهيئات، حيث يسهم تبادل بيانات المعاملات العقارية بين سجلات الأراضي والسجلات العقارية في تسريع الإجراءات، بينما يتيح توفير المخططات المكانية والمساحية ومتطلبات تقسيم المناطق لأصحاب المصلحة والأطراف المعنية في قطاع الإنشاءات تعزيز الشفافية وتسريع وتيرة تنفيذ المشروعات، للحد من مخاطر عدم الامتثال وتيسير تنفيذ المشروعات. وتبرز إستونيا ورواندا كنموذج يحتذى به في دمج سجلات الملكية مع مكاتب الشهر العقاري وهيئات المساحة وربط منصات تراخيص البناء بقواعد بيانات تقسيم المناطق واستخدام الأراضي.

وتكشف البيانات عن تباين في إستراتيجيات التنفيذ، حيث تعتمد أفضل البلدان أداءً على قواعد بيانات موحدة تجمع بين المعلومات القانونية والجغرافية، في حين تتبنى بلدان مثل كوستاريكا وسنغافورة نهجاً تدريجياً، يركز في المقام الأول على تكامل عملية نقل الملكية. كما تواجه البلدان التي تعاني من صعوبات في تحقيق التشغيل البيني تحديات متعددة على مستوى التنفيذ الفني، والتنسيق بين الهيئات الحكومية، وتوحيد تنسيقات البيانات بين الأنظمة المختلفة. جدير بالذكر أن تحقيق مستوى متقدم من التشغيل البيني يتطلب توافر قدرات تكنولوجية متطورة، بالإضافة إلى تنسيق مؤسسي قوي ورؤية إستراتيجية واضحة المعالم لتقديم خدمات متكاملة.

 

مقومات التميز في الأداء

يُظهر تحليل البيانات وجود علاقة قوية بين الأُطر التنظيمية وكفاءة تقديم الخدمات العامة، حيث يبلغ معامل الارتباط بينهما 0.78. فكلما كانت اللوائح التنظيمية مصممة بعناية، ازدادت شفافية الخدمات وسهولة وصول الشركات إليها. وتُظهر هذه النتائج أن تحديد المتطلبات بوضوح في اللوائح - مثل الإلزام بتقديم الخدمات عبر الإنترنت أو فرض جداول رسوم شفافة - يُحفّز الهيئات الحكومية على تحسين جودة الخدمات التي تقدمها.

فعلى سبيل المثال، عندما تفرض اللوائح التنظيمية تقديم طلبات تراخيص البناء رقمياً أو تضع معايير واضحة لتسجيل الملكية، فإن ذلك غالباً ما يؤدي إلى تطوير منصات إلكترونية سهلة الاستخدام، مما يعزز سهولة الوصول إلى المعلومات ويُسهم في تحسين بيئة الأعمال.

ويشكّل هذا الترابط حلقة ديناميكية من التحسين المتبادل؛ فكلما ارتفع مستوى تحسن اللوائح التنظيمية، ازدادت كفاءة الخدمات المقدّمة، مما يخلق بيئة مواتية لوضع لوائح أكثر تطوراً ومرونة. وهذا يفسر كيف أن البلدان التي تتفوق في أحد المجالين غالباً ما تحقق نجاحاً في الآخر، إذ يعزز كل منهما الآخر في عملية تطور مستمرة. وتسلط هذه الملاحظات الضوء على مدى ارتباط الأطر التنظيمية بجودة الخدمات العامة، مما يفتح آفاقاً جديدة لفهم كيف يمكن أن يكون تحسين أحد الجوانب بمثابة قوة محفزة لدفع عجلة التقدم في المجال الآخر، وهو ما يعزز بيئة أعمال أكثر كفاءة وشفافية.


الخلاصة

تُسهِم الاقتصادات التي تُولي اهتماماً لجودة الخدمات العامة والشفافية في تسهيل إجراءات تسجيل الملكية، وإصدار تراخيص البناء، والحصول على التصاريح البيئية، مما يُمكِّن الشركات من العمل فاعلية أكبر. فالاستثمار في تحسين جودة الخدمات -سواءً من خلال المنصات الرقمية، أو تبسيط العمليات والإجراءات، أو تعزيز الوصول إلى المعلومات- لا يدعم بيئة الأعمال فحسب، بل يعزز أيضاً معدلات الامتثال للوائح التنظيمية. لذلك، يتعين على واضعي السياسات إعطاء الأولوية لتبني إجراءات ونُظم تتسم بالشفافية وقابلية التنبؤ وسهولة الاستخدام، بما يُسهم في الارتقاء بمستوى الخدمات المقدّمة لدعم الشركات في اختيار المحل المناسب لأنشطة أعمالها، في السياق ذاته، يُعد التحول الرقمي محفزاً للكفاءة والامتثال، ويؤدي إلى تحقيق تحسينات مُستمرة. كما أن الجمع بين الخدمات العامة القوية والرقابة التنظيمية الفعّالة يُشكِّل عنصراً حاسماً لجذب الأعمال واستبقائها في سوق عالمي شديد التنافسية. وتكمن أهمية هذه النتائج في أنها تقدم توصيات عملية تساعد واضعي السياسات على تحسين بيئات الأعمال وتعزيز النمو الاقتصادي.


سيويون كيم

محللة، وحدة الجاهزية لأنشطة الأعمال

جاياشري سرينيفاسان

متخصصة في الإجراءات التنظيمية، مجموعة مؤشرات اقتصاديات التنمية

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000