"ميناب" طفل من إثيوبيا عمره 8 أعوام ويذهب إلى مدرسة بدون كهرباء ولم يستخدم الإنترنت مطلقاً. ومعلمته، "بيثيل" التي تبلغ من العمر 25 عاماً، تريد أن تحصل على دورة تدريبية للمعلمين باستخدام الهاتف المحمول ولكنها لا تستطيع تحمل تكلفة البيانات. أما الطفل "هندريك"، من إستونيا، والذي يبلغ من العمر 14 عاماً، فيمكنه الوصول إلى مواد تعليمية رقمية تفاعلية توفرها الدولة ويستخدمها على جهازه بمساعدة من معلميه.
وفي الوقت نفسه، يعاني "خوان"، وهو طفل من الأرجنتين يبلغ عمره 10 سنوات، من صعوبات في القراءة. وأوصاه أحد معلميه باستخدام تطبيق تعليمي، لكنه ترك الدراسة بعد تعرضه للمضايقات من زملائه في الفصل. ويقوم "أيدن"، مدرب التعليم الرقمي في إحدى المناطق التعليمية في سنغافورة ويبلغ من العمر 38 عاماً، بمساعدة المعلمين على اختيار التكنولوجيا ودمجها واستخدامها بشكل فعال لأغراض التعلم.
هذه مجرد بعض نماذج الإخفاق والنجاح لأشخاص من جميع أنحاء العالم وهم يتعاملون مع التقنيات الرقمية في التعليم وتنمية المهارات. وهي تعكس موجة التغيير الرقمي التي تحدث تحولاً في حياة الناس اليومية بسرعة ونطاق غير مسبوقين، للأفضل أو للأسوأ.
وفي خضم أزمة عالمية في التعلم والمهارات، والوتيرة السريعة للتطورات الرقمية، تتفاقم أوجه عدم المساواة والإقصاء الحالية بسبب الفجوة الرقمية الآخذة في الاتساع. وهذا يؤثر بشكل كبير على أنظمة التعليم و ونواتج التعلم للطلاب في جميع أنحاء العالم، حيث تكون الفئات الفقيرة والمهمشة هي الأكثر تضرراً.
أنظمة التعليم وتنمية المهارات في عالم سريع التغير
تؤدي أنظمة التعليم وتنمية المهارات دوراً محورياً في تعزيز نتائج سوق العمل والنمو الاقتصادي عبر القطاعات والحراك الاجتماعي بين الأجيال. ووفقاً لدراسة أجرتها منظمة العمل الدولية عام 2019 استناداً إلى مراجعة السياسات والتشريعات الحكومية من 65 دولة في أربع مناطق، تمثل تدابير التعليم والتدريب ما بين 40% إلى 60% من الإجراءات التدخلية على مستوى السياسات الخاصة بتشغيل الشباب (انظر الشكل 1). ونظراً لأن الأدوات الرقمية وأدوات الذكاء الاصطناعي تتيح أشكالاً جديدة ومُحسَّنة من العمل، يجب أن تؤدي الإجراءات التدخلية في مجالي التعليم والتدريب إلى إحداث تحولات رقمية للاقتصادات على مستوى القطاعات عن طريق إعداد وتوفير الموارد البشرية الماهرة في سوق عمل سريع التغير.
الشكل 1: تدابير التعليم والتدريب كنسبة مئوية من جميع الإجراءات التدخلية لتشغيل الشباب في 65 بلداً، حسب المنطقة
المصدر: مارسيلو كواتلي سيغوفيا، وماريانا كوستا تشيكا. 2021. التعليم والتدريب لأسواق عمل سريعة التطور. هل المستقبل مهيأ للشباب؟ سياسات تشغيل الشباب من أجل أسواق عمل متطورة، الصفحات 66-84، منظمة العمل الدولية. مراجعة المؤلفين عام 2019 لعدد 478 وثيقة من وثائق السياسات والتشريعات الخاصة بتشغيل الشباب.
في الوقت نفسه، يجب أن تتطور أنظمة التعليم "كمؤسسات تعليمية" رقمية قادرة على التكيف وتوفير فرص تعليمية مناسبة ومنصفة ومرنة لجميع الطلاب من خلال التحسين المستمر. ويجب أن تكون أنظمة التعليم منتجة سريعة ومستهلكة نهمة للكفاءات الرقمية والبيانات على نطاق واسع، مع وضع الناس في صميم هذه التحولات.
وعند القيام بذلك، من الضروري تذكير أنفسنا بالمبادئ الأولى للتعلم. وتظهر عقود من الأبحاث الراسخة أن التعلم، في جوهره، يحدث من خلال التفاعلات البشرية بين المتعلمين والمعلمين، بوساطة بيئة التحصيل التعليمي (المادية والرقمية)، وعوامل سياقية أخرى (الشكل 2). ويُعد دور المعلمين وسيبقى محورياً في كيفية تعلم البشر بشكل جيد. وبالتالي، من المهم للغاية تقدير دور المعلمين ودعمهم لتعزيز كفاءاتهم وتطويرها كمُربين ومرشدين وتربويين ناقدين.
الشكل 2: التعلم كنتيجة للتفاعلات بين البشر والآلات والعوامل السياقية
المصدر: مقتبس من عمل دارلنج-هاموند وآخرين (2014). أعيد استخدامها بإذن.
ثلاثة تحولات في طريقة التفكير لإحداث التغيير
في هذا السياق، من الضروري للجهات الفاعلة في قطاع التعليم وتنمية المهارات استيعاب ثلاثة تحولات في طريقة التفكير لقيادة التحولات الرقمية بشكل استباقي وإستراتيجي وبنهجٍ قائمٍ على الشواهد والأدلة. ويسلط تقرير جديد للبنك الدولي بعنوان "المسارات الرقمية للتعليم: دعم إحداث أثر أكبر لصالح الجميع" الضوءَ على ثلاثة تحولات رئيسية في طريقة التفكير تُعتبر مهمة للغاية لمتخذي القرار والممارسين في الحكومة والصناعة والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني للنظر فيها لدفع التغيير المنهجي بنجاح إلى الأمام.
الشكل 3: اعتماد التحولات الرئيسية في طريقة التفكير من أجل التحولات الرقمية في التعليم وتنمية المهارات
1. النهج النظامي المناسب للغرض: التحول من الإجراءات التدخلية الرقمية قصيرة الأجل والمخصصة إلى إستراتيجيات أكثر منهجية تركز على التعلم وتنمية المهارات. ويستلزم النهج القائم على الأنظمة استخدامَ تدابير استباقية على مستوى السياسات العامة مقترنة بشراكات مجدية في الأسواق والمجتمع المدني لتمكين الابتكارات الفعالة واسعة النطاق. ويتطلب ذلك أنظمة بيئية قوية ومتينة للابتكار وأسواقاً خاصة يتم تحفيزها ودعمها لتقديم منتجات تعليمية ملائمة وعالية الجودة وفعالة من حيث التكلفة. وفي الوقت نفسه، يُعد إنشاء وتطبيق إطار تنظيمي يؤدي إلى تعزيز التعليم العادل وعالي الجودة وتنمية المهارات وتشجيع المنافسة العادلة والصحية أمراً بالغ الأهمية.
2. النظم الأساسية الرقمية المتكاملة: تجاوز الأدوات الرقمية المجزأة ("النظم البسيطة") والاستثمار في النظم الرقمية الشاملة والمتكاملة ("النظم الأساسية") التي تعمل على تحسين إدارة التعليم وإدارته، فضلاً عن التعليم والتعلم. وعندما يتم تضمين الحلول الرقمية ودمجها بطريقة مُنسقة في أنظمة الحوكمة الإستراتيجية والبنية التحتية للبيانات والتكنولوجيا وتصميم السياسات وتنفيذها، فمن المرجح أن يضمن ذلك تحقيق الشمول والأمن والخصوصية ومعايير الجودة العالية للجميع.
3. النهج المرتكز على التعليم: التحول من الأفكار والأساليب التي تركز على التكنولوجيا في التعليم إلى النُهُج التي تعطي الأولوية للتعلم والمهارات ونواتج التعلم. وتتفاعل التقنيات وسياقات التعلم مع السمات المميزة للطلاب والمعلمين (الشكل 2). وتشكل هذه العوامل مجتمعةً تجربةَ الطالبِ التعليمية ونواتجها. ولهذا من الضروري إشراك المعلمين والباحثين وخبراء التكنولوجيا الرقمية ومطوري التطبيقات في التصميم والاختبار والتنفيذ القائم على الشواهد والأدلة لمنتجات وخدمات التعليم الرقمية.
تجدر الإشارة إلى أن هذه هي المدونة الأولى في سلسلة من المدونات المخصصة لموضوع النهوض بأنظمة التعليم الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وفي المدونة القادمة، سنتناول بالتفصيل الخطوات الملموسة التي يمكن اتخاذها لإثراء إستراتيجية التعليم الرقمي وتصميمها وتنفيذها، بالإضافة إلى الأدوات والأمثلة المرتبطة بها.
إخلاء المسؤولية: تم تغيير الأسماء في هذه المدونة لحماية هويات الأشخاص.
انضم إلى النقاش