يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي تعبير يشوبه الغموض يُطلِق العنان لأفكار عن الروبوتات والحواسيب العملاقة، لكن الحقيقة هي أن خوارزميات التعلُّم الآلي وتطبيقاته – وإن كانت قد تنطوي على تعقيدات حسابية - فإنها سهلة الفهم نسبيا. والواقع أن خبراء إدارة مخاطر الكوارث ومجابهة الصدمات يستخدمون باطراد خوارزميات التعلُّم الآلي في جمع بيانات أفضل عن المخاطر ومواطن الضعف في مواجهتها، واتخاذ قرارات مدروسة جيدا، وفي نهاية المطاف إنقاذ الأرواح.
ويُستخدم الذكاء الاصطناعي والتعلُّم الآلي كمصطلحين مترادفين، لكن للذكاء الاصطناعي مدلولات أوسع نطاقا من التعلُّم الآلي. فالذكاء الاصطناعي (العام) يثير في الأذهان صورا لمستقبل بائس مخيف مثلما صوَّره فيلم (المُدمِّر)، لكن في الحقيقة إن ما لدينا الآن وسيبقى لدينا زمنا طويلا هو مجرد تعلُّم الحواسيب من البيانات بطريقة ذاتية التشغيل أو شبه ذاتية في عملية تُعرف باسم التعلُّم الآلي.
وتقوم المذكرة التوجيهية للتعلُّم الآلي المُوجَّه لإدارة مخاطر الكوارث التي أعدها الصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها بتوضيح وإزالة اللبس والغموض عن مفاهيم التعلُّم الآلي والذكاء الاصطناعي، ويتم طرح بعض دراسات الحالات التي تُظهر تطبيقات التعلُّم الآلي المُوجَّه لإدارة مخاطر الكوارث والتأكيد على أهميتها. وتعد المذكرة التوجيهية مفيدة بوجه عام لطائفة متنوعة من أصحاب المصلحة تتراوح من المشتغلين بإدارة مخاطر الكوارث في هذا المجال، إلى المتخصصين في بيانات المخاطر، إلى أي شخص آخر مهتم بهذا المجال من مجالات علوم الكومبيوتر.
التعلُّم الآلي في الميدان
في إحدى دراسات الحالات، تمت تغذية خوارزميات التعلُّم الآلي ببيانات الطائرات المُسيَّرة بلا طيار والصور الملتقطة على مستوى الشوارع لترصد المباني ذات الطوابق الضعيفة أو تلك التي ستنهار على الأرجح عند وقوع أحد الزلازل. وقام بإعداد هذا المشروع فريق دعم العمليات الجغرافية المكانية للبنك الدولي في مدينة غواتيمالا، وهو واحد من بين تطبيقات كثيرة قد يكون فيها لكميات كبيرة من البيانات التي تتم معالجتها من خلال التعلُّم الآلي آثار ملموسة وتبعية على إنقاذ الأرواح والممتلكات في الكوارث.
وفي حالة أخرى، استُخدِم التعلُّم الآلي في معالجة مدخلات من صور التقطتها أقمار صناعية من أجل فصْل الأحياء العشوائية التي تُسمَّى في بعض الأحيان "العشوائيات أو الأحياء الفقيرة" عن التجمعات العمرانية المُخطَّطة. وتم تنفيذ هذا المشروع الذي قاده الباحث جوردان غريسر ومختبر أوك ريدج الوطني بالتعاون مع البنك الدولي، ويقوم على تنفيذ هذه الأساليب الآن فريق دعم العمليات الجغرافية المكانية لتطبيقها على حالات مستخدمين آخرين.
لا يمكن التقليل من أثر هذا النوع من الأعمال، إذ إن تحديد أكثر الأحياء والسكان عرضةً للخطر على الخريطة يُمكِّننا من تحديد مواطن تعرُّض السكان للمخاطر على نحو أكثر دقة. ويُعد التحديد الدقيق لمواضع التعرض للخطر أحد الأسس اللازمة لتحقيق إدارة أكثر فاعلية لمخاطر الكوارث. وقد شهدت منهجيات أخرى قدرا من النجاح في جمع معلومات دقيقة عن مواطن الضعف والتعرض للخطر، على سبيل المثال، من خلال إضافة مزيد من المُوظَّفين على الأرض من أجل تقنيات المسح أو مضاعفة حملات استلهام الحلول من الجماهير سعيا إلى رسم خريطة التجمعات العمرانية. وباستخدام خوارزميات التعلُّم الآلي يمكن تقليص تكاليف المشروع بدرجة كبيرة سواء تم تطبيقها على صور الأقمار الصناعية أو الطائرات المُسيَّرة بلا طيار أو على مستوى الشوارع، أو على بيانات مستخلصة من مختلف أجهزة الاستشعار والمصادر مثل المستشعرات الزلزالية أو المقالات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي.
إضفاء الطابع الديمقراطي على البيانات، الحد من التحيُّز
تدعو مبادرة البيانات المفتوحة من أجل مجابهة الكوارث التي أطلقها الصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها إلى الاستخدام المتكامل لهذه المنهجيات من أجل تعظيم آثار المشروعات وتقليص التكاليف. ويُمكِن، بل ويجب، الربط بسلاسة بين كل هذه المنهجيات من الرسم الآلي للخرائط المستند إلى التعلُّم الآلي، وحملات استلهام الحلول من الجماهير لجمع بيانات "التدريب" و "التحقُّق"، وقيام خبراء بتحليل هذه البيانات. وتُستخدَم بيانات التدريب والاختبار في "تعليم" (تدريب) خوارزميات التعلُّم الآلي، ثم تقييم (اختبار) مدى نجاحها وفعاليتها. وتُعد معرفة الخبراء ضرورية لجمع بيانات "الواقع على الأرض"، ولتنفيذ برمجيات التعلُّم الآلي، ولتحليل النتائج بطريقة مُجْدية.
تعني البيانات المفتوحة ضرورة أن تكون مدخلات ومخرجات المشروعات من البيانات متاحة بحرية ويسهل استخدامها. وبإتاحة البيانات لكل الجهات المعنية، يمكن إضفاء صبغة ديمقراطية على عملية إدارة مخاطر الكوارث. وبعد ذلك تقع ملكية البيانات على المجتمعات التي تشير إليها، وهو ما يؤدي إلى مساندة المجتمعات لمشروعاتها لإدارة مخاطر الكوارث، ومن ثم التوصيات الناجمة عنها. ويشكل بناء القدرات واستلهام الحلول من الجماهير أحد المكونات الرئيسية للمشروعات التي تُركِّز على دمج البيانات المفتوحة، لأن هذه الأنشطة بحكم تعريفها تُشرِك المجتمعات المعنية في إنشاء البيانات وتبادلها.
إن الحد من التحيُّز في كل المشروعات أمر بالغ الأهمية. فمجرد قيام الحواسيب بتحليل ومعالجة البيانات باستخدام التعلُّم الآلي لا يعني أن العملية برمتها مُحصَّنة وخالية من التحيُّز. ومن المعروف أن جودة نماذج الحاسوب تكون بقدر جودة مدخلاتها من البيانات. ولذلك، فإنه إذا احتوت مدخلات البيانات على تحيُّزات فإنها قد تستمر في كل المراحل حتى الوصول إلى النتائج. وقد تُؤثِّر التحيزات في إستراتيجيات التخفيف من المخاطر التي تحمي الناس والمجتمعات، ومن ثمَّ تكون لها آثار كبيرة لاحقة من حيث إزهاق الأرواح وضياع الممتلكات.
أكثر من مجرد تعبيرات طنَّانة
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي والتعلُّم الآلي من التعبيرات الدارجة الطنَّانة في الأعوام القليلة الماضية، وحلَّت إلى حد ما محل مصطلحات مثل "البيانات الكبيرة" و"علوم البيانات". والحقيقة أن هذه المصطلحات جميعا تشير إلى المجموعة نفسها من أساليب علوم الكومبيوتر التي تستند إلى الإحصاء وتُستخدَم في تدقيق البيانات وفرزها والتصرف بناء عليها. وتفعل أساليب التعلُّم الآلي هذا في برامج أو خوارزميات تكرارية تتعلَّم من مدخلات البيانات من أجل تحسين النتائج اللاحقة.
وأصبحت خوارزميات التعلُّم الآلي بالفعل ركيزة تشغيل شبكة الإنترنت: في المتاجر الإلكترونية، ومحركات البحث، والإعلانات المُوجَّهة، والمعلومات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي. إنها تُمِد بيوتنا بالمظهر المتنامي للمنزل الذكي وأجهزة المساعدة الصوتية، وهي أيضا المُحرِّك لعالمنا المحمول من تطبيقات المساعدات الشخصية، إلى الأوامر الصوتية، إلى الترجمة الآنية، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. فكيف يكون حال العالم لو أننا سخَّرنا كل هذه الوسائل الآلية المستندة إلى علوم الكومبيوتر في حماية الناس؟
اقرأ المزيد
• موارد من مبادرة البيانات المفتوحة من أجل مجابهة الكوارث التي أطلقها الصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها
• مطبوعة: التعلُّم الآلي المُوجَّه لإدارة مخاطر الكوارث
• مدونة: ثلاثة نُهج مبتكرة لإدارة مخاطر الكوارث
• فيديو: أحمد واني في منتدى فهم المخاطر 2018: كيف يساعد الذكاء الاصطناعي على تعزيز الاحتواء الاجتماعي
انضم إلى النقاش