نشر في أصوات

دروس مستفادة للبلدان التي تعاني شيخوخة سكانها: التغلب على تحديات الزيادة في أعداد المسنين

الصفحة متوفرة باللغة:
أحد المسنين وهو يدير متجراً يملكه لبيع الفواكه الطازجة. حقوق الطبع والنشر: صموئيل غوه/البنك الدولي أحد المسنين وهو يدير متجراً يملكه لبيع الفواكه الطازجة. حقوق الطبع والنشر: صموئيل غوه/البنك الدولي

إذا كانت الخصائص الديموغرافية حقاً من الأمور المحتومة، فلدينا الكثير من الإنجازات التي يمكننا الاحتفاء بها. فالحياة الطويلة الصحية تُعد إحدى قصص النجاح المشهودة في العالم، حيث تدعمها المكاسب الملحوظة في متوسط العمر المتوقع عند الميلاد عالمياً على مدار العقود الأخيرة.

غير أن التحولات الديموغرافية تخلق مجموعة من التحديات - والفرص - في مجال الحماية الاجتماعية، وأنظمة الرعاية الصحية، وأسواق العمل، والنمو الاقتصادي، وغيرها من المجالات. وبحلول عام 2050، سيتجاوز عمر ثلث سكان العالم 60 عاماً - وسيعيش 8 من كل 10 منهم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

وتعتبر وتيرة الزيادة في أعداد المسنين التي تشهدها هذه البلدان غير مألوفة. ففي فرنسا، استغرق الأمر ما يقرب من 115 عاماً حتى تتضاعف النسبة المئوية للسكان ممن تتجاوز أعمارهم 60 عاماً من 7% إلى 14%. أما في فيتنام، فستحدث نفس القفزة في غضون 15 عاماً فقط. وبالنظر إلى أن البلدان مرتفعة الدخل مثل اليابان وكوريا وفي أوروبا تواجه تحدياتٍ معقدة بسبب تزايد أعداد المسنين من سكانها، فإن الأمر يبدو أكثر صعوبة بالنسبة للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل التي تعاني قيوداً على مواردها.

وتتمتع البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بميزة توافر الوقت أمامها، بالإضافة إلى قدرتها على التعلم من غيرها من البلدان. ونحن هنا في البنك الدولي ملتزمون بمساعدة البلدان على اتباع نهجٍ يتسم بالنضج والتعقل الشديد إزاء تزايد عدد المسنين من السكان.

والخطوات التأسيسية لهذا النهج، مهما كانت صغيرة، تُعد بالغة الأهمية، بالنظر إلى التكاليف الباهظة التي ستتحملها هذه البلدان في حالة تقاعسها عن العمل، وخسارتها لما يحتمل حدوثه من آثار إيجابية غير مباشرة. وتوصل تحليل حديث أجراه البنك الدولي للالتزامات المرتبطة بتزايد أعداد المسنين من السكان إلى بعض الدروس المستفادة والمهمة للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل التي تعاني هذه الظاهرة. ويتم إبراز أهم الدروس الشاملة في ثلاثة مواجز جديدة حول الرعاية طويلة الأجل، وضمان الدخل لكبار السن، والحياة الطويلة المُنتجة.

1.     لتزايد أعداد المسنين آثار عميقة على النمو الاقتصادي واستدامة المالية العامة

مع تقدم السكان في السن، تواجه البلدان قلة أعداد الأيدي العاملة وربما انخفاض الإنتاجية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع الإيرادات العامة. وحتى لو لم تكن هذه التحديات كبيرةً بما فيه الكفاية، فإن ارتفاع أعداد المسنين من السكان يزيد أيضاً من الطلب على خدمات الرعاية الصحية والرعاية طويلة الأجل والمعاشات التقاعدية، وهو ما يفرض ضغوطاً على الإنفاق العام. ومثلما نُحجم كبشر عن مواجهة حقائق تَقَدُمنا في العمر، فغالباً ما تخفق الحكومات في إعطاء الأولوية لهذه التحديات المترابطة وطويلة الأجل. ولكن ما يبعث على التفاؤل هو أن هناك عدة طرق لمواجهة هذه التحديات.

ويتمثل أحد النُهُج في تعويض تأثير تزايد أعداد المسنين عن طريق تنفيذ سياساتٍ تزيد من معدلات المشاركة في القوى العاملة والإنتاجية. واستهدفت إحدى عمليات البنك الدولي في تايلاند استكشاف الفرص عن طريق تعزيز الحياة الطويلة المنتجة، ومشاركة الإناث في القوى العاملة، والهجرة المنتجة، والتعلم مدى الحياة. كما تم استكشاف سياسات عامة مماثلة تم تنفيذها في فييتنام وأوروغواي، من بين بلدان أخرى. وتُعد الهجرة أيضاً مبشرة بالخير، لا سيما من خلال شراكات المهارات العالمية التي تسد فجوات القوى العاملة في الداخل والخارج. ومن الممكن أن تساعدنا نمذجة الرعاية طويلة الأجل ونفقات المعاشات التقاعدية في المستقبل على استكشاف سيناريوهات الإجراءات الإصلاحية لإدارة التكاليف المتزايدة مع ضمان وصول المزايا إلى الفئات الأكثر ضعفاً.

2. من الضروري الانتقال من النُهُج المنعزلة إلى برنامج عمل متعدد القطاعات

في حين تمثل الزيادة في أعداد السكان المسنين تحدياتٍ متداخلة، فإنها توفر أيضاً فرصاً متعددة القطاعات. ويشدد البنك الدولي على أهمية اتباع نهج متعدد الأوجه. ويُعد دمج الإجراءات الإصلاحية للمعاشات التقاعدية مع المبادرات التي تعزز الحياة الطويلة المنتجة من بين أبرز الأمثلة على ذلك. وبالمثل، فإن تعزيز أسواق الرعاية طويلة الأجل لا يحسن فرص حصول كبار السن على خدمات الرعاية فحسب، بل يساعد أيضاً على زيادة معدلات المشاركة في القوى العاملة بين أفراد أسرهم ومقدمي الرعاية غير مدفوعة  الأجر. ففي مقدونيا، على سبيل المثال، يؤدي تطوير خدمات الرعاية المنزلية والمجتمعية إلى توسيع مظلة التغطية وتزويد مقدمي الرعاية - لا سيما النساء - بفرصة الانضمام إلى القوى العاملة إذا اختاروا ذلك. ورومانيا بلد آخر اتبعت فيه فرق البنك الدولي نهجاً شاملاً، بما في ذلك تقديم المساعدة الفنية لتحسين حالة خدمات الرعاية طويلة الأجل كجزء من مشاركة واسعة النطاق شملت خدمات الرعاية الصحية لكبار السن ونظام المعاشات التقاعدية..

 

الشكل 1: تفاعل السياسات لمعالجة الزيادة في أعداد المسنين 

الشكل 1: تفاعل السياسات لمعالجة الزيادة في أعداد المسنين


3.  من الأفضل فهم الزيادة في أعداد المسنين على أنها عملية تستمر مدى الحياة

بدلاً من النظر إلى التقدم في العمر على أنه من التغيرات المنعزلة عن دورة الحياة، مثل الانتقال من العمل إلى التقاعد أو من الصحة إلى الوهن، من الأهمية بمكان الاعتراف بها على أنها سلسلة متصلة. ويجب أن تتبنى حلول تحديات شيخوخة السكان هذا المنظور. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يساعد الاستثمار في الرعاية الصحية الوقائية في احتواء الطلب المتزايد على خدمات الرعاية طويلة الأجل للمسنين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للاستثمارات المبكرة في التعليم أو "رأس المال البشري" أن تساند حياة العمل الأطول والأكثر إنتاجية مع تعزيز ضمان الدخل. وركزت برامجنا في نيبال وباكستان على تحسين مهارات القراءة والكتابة لدى الطلاب وتزويدهم بالمهارات الأساسية التي تساعدهم على التعلم مدى الحياة في المستقبل.

4. تتداخل أوجه عدم المساواة بين الجنسين مع تحديات الزيادة في أعداد السكان المسنين

غالباً ما يقوم مقدمو خدمات الرعاية في القطاع غير الرسمي بتخفيض ساعات عملهم مدفوعة الأجر أو أنهم يخرجون من القوى العاملة بشكل نهائي بسبب مسؤوليات تقديم خدمات الرعاية، مما يؤدي إلى تراجع مستويات دخلهم وقيم اشتراكاتهم في أنظمة المعاشات التقاعدية. وفي حين يتضرر مقدمو خدمات الرعاية من الرجال والنساء على حد سواء، فمن المرجح أن تتولى النساء مسؤولية تقديم الرعاية الأسرية، مما يؤدي إلى تفاقم الفوارق بين الجنسين فيما يخص الالتحاق بسوق العمل والقدرة على الاشتراك في أنظمة المعاشات التقاعدية. وهناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لزيادة هذا الوعي وصياغة سياسات اجتماعية تصحيحية - كما فعلت بعض البلدان مثل شيلي، لتغطية الفترات الخاصة بإجازات الأمومة في أنظمة اشتراكات المعاشات التقاعدية لديها.

 

الشكل 2: رؤى شاملة لبرنامج العمل الخاص بزيادة أعداد السكان المسنين

الشكل 2: رؤى شاملة لبرنامج العمل الخاص بزيادة أعداد السكان المسنين

 

المصدر: الأعمال الخاصة بالمؤلفين


وبما أنه من المتوقع أن يتجاوز عدد الأشخاص ممن تبلغ أعمارهم 60 عاماً فأكثر في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل مليارَ شخص في غضون السنوات الخمس المقبلة، فمن الضروري إجراء تغييرات اجتماعية عميقة واتباع نُهُج مبتكرة لتكون الحياة الطويلة نعمة وليست نقمة. وكما يقول المثل "إن تربيةَ طفلٍ واحدٍ يتطلب مشاركة الجميع"، فيمكننا القول بالمنطق نفسه إن الأمر سيتطلب بناء شبكة من السياسات الاجتماعية في المجتمعات المحلية وفيما بين البلدان لتحقيق ذلك. 


دييغو واكس

خبير اقتصادي في الوحدة العالمية للحماية الاجتماعية بالبنك الدولي

غوستافو ديماركو

كبير الخبراء الاقتصاديين ورئيس فريق المعاشات التقاعدية العالمية، ورئيس فريق العمل، البنك الدولي

فيونا ستيوارت

كبيرة أخصائيي القطاع المالي في قطاع الممارسات العالمية للتمويل والتنافسية والابتكار بمجموعة البنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000