نشر في أصوات

إعادة البناء على نحو أفضل بعد الأزمة: ما الذي سيتطلبه ذلك في أشد البلدان فقرا؟

الصفحة متوفرة باللغة:
À la gare routière d?Antananarivo, la capitale de Madagascar, ces travailleurs repartent chez eux faute d?avoir pu trouver de quoi faire vivre leur famille à cause d?un confinement prolongé. Alors que les pays les plus pauvres du monde cherchent à relancer leur croissance et redonner du travail à un maximum de personnes, l?adoption d?une stratégie visant à « reconstruire en mieux » se justifie pleinement. (Photo : Henitsoa Rafalia / Banque mondiale) À la gare routière d’Antananarivo, la capitale de Madagascar, ces travailleurs repartent chez eux faute d’avoir pu trouver de quoi faire vivre leur famille à cause d’un confinement prolongé. Alors que les pays les plus pauvres du monde cherchent à relancer leur croissance et redonner du travail à un maximum de personnes, l’adoption d’une stratégie visant à « reconstruire en mieux » se justifie pleinement. (Photo : Henitsoa Rafalia / Banque mondiale)

البناء على نحو أفضل. إنه تعبير جذَّاب. مرادِف للدعوة إلى العمل. وهو يتردد على ألسنة قادة العالم من أمثال رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون والرئيس الأمريكي جو بايدن. وهذا التعبير هو الضوء الذي يلوح في نهاية نفق جائحة كورونا. ولكن ما الذي يتطلبه حقا في أشد بلدان العالم فقرا؟ وكيف يمكن لهذه البلدان التي تساندها المؤسسة الدولية للتنمية - ذراع البنك الدولي لمساعدة البلدان الأشدّ فقراً في العالم - توفير الموارد التي تحتاج إليها لتحقيق هذا الهدف؟

لقد صِيغ تعبير "إعادة البناء على نحو أفضل" رسميا قبل ستة أعوام في مؤتمر سنداي للحد من مخاطر الكوارث. وهو مفهوم شامل للصمود والقدرة على التكيف من خلال تدابير متوازنة للحد من مخاطر الكوارث من إعادة بناء مرافق البنية التحتية إلى إنعاش سبل كسب العيش، ومن تحفيز النمو إلى استعادة الثقافة والبيئة المحلية.

وبعد ذلك أصدر البنك الدولي، قبل نحو ثلاثة أعوام، تقريره عن إعادة البناء على نحو أفضل، لبيان كيف يُمكِن إعادة البناء بعد الكوارث على نحو أقوى (أكثر إنتاجيةً وصمودا) وأسرع (بالحد من آثار الصدمات)، وأشمل (بضمان ألا يتخلف أحد عن الركب). وأوضح التقرير كيف أن أدوات إعادة البناء على نحو أفضل مثل التأهب المالي والحماية الاجتماعية التكيفية يمكن أن تحد من آثار الكوارث بمقدار الثلث، وتُجنِّب العالم خسارة نحو 170 مليار دولار سنويا بفضل تفادي الأضرار المحتملة علاوةً على منافعها الاقتصادية الواسعة.

إعادة البناء على نحو أفضل بعد جائحة كورونا

ثم حلَّت كارثة جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، وانضم تعبير إعادة البناء على نحو أفضل إلى قائمة المفردات اليومية لنا جميعا. وتواجه البلدان الآن تحديا مزدوجا يتمثَّل في الإصلاح في أسرع وقت ممكن للأضرار الاستثنائية التي لحقت بمكاسب التنمية، والتكيف مع التغيرات العميقة التي يشهدها العالم.

والآن، أصبح تعبير إعادة البناء على نحو أفضل يعني السعي من أجل التعافي على نحو أكثر مراعاة للبيئة وشمولا وقدرة على الصمود من أزمة جائحة كورونا. وهذه العناصر المترابطة ضرورية للبلدان حتى يمكنها إحراز تقدم نحو بلوغ أهداف التنمية المستدامة  في عالمٍ أصبح وقوع الصدمات فيه أكثر تواترا، مع ما تُخلِّفه من آثار كبيرة تجعل الصمود والقدرة على التكيف والشمول أمرا ضروريا للتغلب عليها.

في حين تتفاوت الظروف المُحدَّدة بين البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية، فإن الأزمة سلَّطت الضوء على ثلاثة احتياجات أساسية في المرحلة المقبلة:

أولا، في مواجهة الركود، وتفشِّي البطالة، والتغيرات في السلوكيات والتجارة وسلاسل التوريد، يجب على البلدان إيجاد سبل لتحفيز النمو وإعادة أعداد كبيرة من الناس إلي العمل بطرق أكثر مراعاة لاعتبارات البيئة، والاستفادة من مبتكرات التكنولوجيا، واغتنام الفرص الجديدة. 

ثانيا، في مواجهة تفشِّي الفقر والإقصاء الذي اشتد من جراء الأزمة، يجب بناء أُسس الإنصاف والشمول ومعالجة التفاوتات الهيكلية، بسبل منها الاستفادة من مبتكرات التكنولوجيا من أجل تقديم خدمات اجتماعية أكثر فعالية وشمولا (الرعاية الصحية والتعليم والحماية الاجتماعية) على نحو لا يقصي أحدا. 

وثالثا، أبرزت الأزمة أهمية دور الحكومة، وضرورة انتهاج سياسات والقيام باستثمارات وإصلاحات من أجل إنجاز جدول أعمال يزداد تعقيدا لتحقيق الاستدامة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. 

ثمة أسباب ملحة توجب على البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية اتباع نهج إعادة البناء على نحو أفضل من البداية

فاتباع هذا النهج يُمكِّن البلدان مما يلي:

  1. الاحتفاظ برؤية تجمع في مداها بين أهداف التنمية الطويلة الأجل، وهو أمر ضروري حتى عند التركيز على إنقاذ الأرواح وسبل كسب العيش. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تُؤدي برامج الأشغال العامة جيدة التصميم إلى خلق فرص العمل، والحفاظ على سبل كسب العيش، وأن تكون مُكمِّلة للسياسات والاستثمارات من أجل مراعاة اعتبارات الحفاظ على البيئة في القطاعات بمرور الوقت. وبالمثل، فإن التركيز على التكنولوجيا في التعليم يمكن أن يساعد على الحد من نقصان التحصيل الدراسي ومعالجة أزمة التعلم على الأجل الأطول.
  2. تعظيم منافع الحوافز وخطط التعافي بالتركيز على المجالات التي تعزز الاستدامة على صعيد المالية العامة والبيئة. على سبيل المثال، تتيح أسعار الوقود المنخفضة فرصة تاريخية لإصلاح الحوافز غير الصحيحة، وإعادة تخصيص الميزانيات نحو الإنفاق الاجتماعي والاستثمارات المراعية للبيئة، وفي الوقت ذاته الاتساق مع توقعات السوق، واجتذاب الاستثمارات الخاصة من أجل مستقبل أكثر مراعاة لاعتبارات البيئة.
  3. تحفيز السعي نحو تحقيق أهدافها المتصلة بتغيُّر المناخ، وفي الوقت نفسه معالجة الأبعاد المناخية للأمن الغذائي، وتقوية الصمود في وجه تقلبات المناخ على المستوى المحلي.
  4. تقوية أنظمتها للوقاية من جوائح جديدة والاستجابة للصدمات والضغوط مثل الكوارث الطبيعية والصراع. ويستلزم هذا توجيه الموارد إلى المناطق الهشة التي يعوق فيها الإقصاء والهشاشة والصراع والعنف وتغير المناخ تحقيق نمو شامل للجميع.

وتُولِّد الاستثمارات من أجل إعادة البناء على نحو أفضل منافع اقتصادية كبيرة، لكنها تتطلب في الغالب تكاليف مسبقة. فعلي سبيل المثال، تشير دراسات لأنظمة النقل والطاقة والمياه إلى أن كل دولار يُستثمر في جعل مرافق البنية التحتية الجديدة أكثر قدرة على الصمود يوفِّر أكثر من 4 دولارات على مدى عمر هذه المرافق. وبالمثل، يجلب توسيع أنظمة الحماية الاجتماعية منافع اقتصادية طويلة الأجل، والقدرة على الصمود والتكيف، والاعتماد على الذات إلى المستفيدين من هذه الأنظمة: لكن ذلك يتطلب بذل جهود واستثمارات، بما في ذلك السجلات الاجتماعية وآليات تقديم الخدمات.

وفي الأمد الطويل، تساعد نُهُج إعادة البناء على نحو أفضل أيضا على إعادة توازن المالية العامة، وتحسين القدرة على الاستمرار في تحمل أعباء الدين. بيد أن هذه النُهُج تتطلب تمويلا ميسورا لاستيعاب التكاليف المسبقة  من أجل الاستفادة من الموارد التي يتم توفيرها بمرور الوقت.

نذر قلة الموارد تلوح في الأفق، لكن ثمة مؤشرات واعدة

تتطلب نُهُج إعادة البناء على نحو أفضل تمويلا يتجاوز ما تستطيع البلدان الأشدّ فقراً تدبيره من مواردها الخاصة  أو ما يُقدمه شركاء التنمية في الوقت الحالي. وستكون زيادة الموارد اللازمة للتعويض عما فقدته والتكيف مع العالم الجديد تحديا جسيما ، لاسيما بالنظر إلى تناقص الموارد المحلية وزيادة أعباء المديونية، واشتداد صعوبة الوصول إلى أسواق رأس المال. ومن المتوقع أن تكون احتياجات التمويل الخارجي الكلية لهذه البلدان أكبر كثيرا في الأعوام القادمة مما كانت عليه فيما مضى. والبلدان التي تعاني عجزا كبيرا في ميزان ماليتها العامة أو من أعباء مديونية كبيرة معرضة لمعاناة شديدة، لاسيما تلك التي تتعرض لمخاطر مرتفعة للوقوع في ضائقة مديونية وتشتد حاجتها الى التمويل من خلال المنح.

ولن تكون تعبئة الموارد من أجل إعادة البناء على نحو أفضل أمرا سهلا ميسورا في ظل الضغوط الواقعة على التمويل في أنحاء العالم، ومع مواجهة حكومات البلدان المانحة نفسها ضغوطا استثنائية. وفي أواخر العام الماضي، كانت هناك إشارة واعدة في تعهد مجموعة العشرين بتعزيز مساندتها للبلدان النامية التي تواجه الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية المتداخلة لجائحة كورونا. وهناك علامة مُبشِّرة أخرى تتمثل في التقدم الذي يجري إحرازه لشراء اللقاحات وتقديمها إلى البلدان النامية. وسيكون الاختبار الكبير التالي هو هل يستطيع المجتمع الدولي بدء دورة طموحة للعملية العشرين لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية هذا العام - لأن أفقر البلدان لا يمكنها إعادة البناء على نحو أفضل بدون هذا التجديد. 

هذه المدونة جزء من سلسلة مدونات عن سبل تحقيق تعاف قادر على الصمود من جائحة كورونا في أشد بلدان العالم فقرا . للاطلاع على أحدث المدونات، تتبَّع الرابط WBG_IDA@ و الرابط IDAWorks#.


بقلم

جورجيا هارلي

كبير مسؤولي الإستراتيجيات، المؤسسة الدولية للتنمية (IDA)

ياسمين أتشيمبونج

مسؤول العمليات، سياسة العمليات والخدمات القطرية بالبنك الدولي (OPCS)

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000