نشر في أصوات

التنمية هي السبيل لتعزيز التنافسية، وتحقيق النمو، وضمان الأمن

التنمية هي السبيل لتعزيز التنافسية، وتحقيق النمو، وضمان الأمن صناعة نقالات المستشفى في مصنع توتمان في تركيا. بعدسة: © سيمون د. ماكورتي/البنك الدولي

لا تتدفق الاستثمارات الخاصة إلا عند تهيئة الظروف المناسبة ووجود احتمالات واضحة لتحقيق العوائد المرجوة.

لقد وُلد البنك الدولي من رحم التصميم الإستراتيجي المدروس لأغراض محددة وليس بدافع الإيثار، هذه الأغراض شكلتها المصالح الأميركية بهدف تهيئة مشهد اقتصادي عالمي ملائم لاستثمارات القطاع الخاص. نعم لم يكن إنشاء البنك الدولي عملاً خيرياً بل خطوة محسوبة بدقة لتعزيز النمو الاقتصادي والحفاظ على الاستقرار. لكن مع الوقت، تطورت رسالتنا، وتوجهت في بعض الأحيان إلى تعزيز الجهود الإنسانية، وخلال العامين الماضيين من الإصلاح، أعدنا التركيز على رسالتنا الأساسية وهي: دفع عجلة التنمية، والحد من الفقر. ولقد وجدنا أن تحقيق ذلك يتطلب أن يكون القطاع الخاص طرفاً فاعلاً ونشطاً في المشهد الاقتصادي، وهذا الأمر أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.

 غير أن هناك سؤالاً يُطرح مراراً وتكراراً في البلدان النامية والمتقدمة وهو: كيف سيكون المستقبل، ولماذا يتوجب علينا الاستثمار فيه؟ إنه تساؤل عادل ويجب الإجابة عليه بالأفعال وليس بالكلمات، فهو يحمل في طياته رغبة قوية في أن تحقق التنمية ليس أثراً إيجابياً فحسب، بل أيضاً فرصة حقيقية وقدر أكبر من الأمن والأمان للجميع.

يقوم النهج الذي نتبعه على توفير فرص العمل وجعل ذلك هدفاً صريحاً لنا. فالوظائف هي أكثر الطرق فاعلية في بناء اقتصادات قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، والحد من الاحتياجات الإنسانية، وخلق الطلب على السلع. كما أنها تعزز الاستقرار العالمي من خلال معالجة الأسباب الجذرية للجريمة وأوضاع الهشاشة والهجرة الجماعية.

وهدفنا الأسمى هو مساعدة البلدان على بناء قطاعات خاصة ديناميكية تحوّل النمو إلى وظائف وفرص عمل محلية. لا يعني ذلك نقل العمل من البلدان المتقدمة، بل إطلاق الفرص في المجتمعات التي يعيش فيها الناس بالفعل، وتدعيم قطاعات مثل الطاقة والبنية التحتية والصناعات الزراعية والرعاية الصحية والسياحة والتصنيع في البلدان الغنية بالمعادن لجعل الاقتصاد المحلي أكثر حيوية وديناميكية.

ويساعد البنك الدولي المستثمرين أيضاً على تعظيم الاستفادة من رؤوس الأموال في هذه الأسواق لضمان تحقيق عوائد إيجابية، وفي الوقت نفسه التصدي للتحديات العالمية، فضلاً عن تقوية أسس النمو الاقتصادي من خلال تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وإنفاذ العقود، بالإضافة إلى الوصول إلى الأسواق.

لكن لا يمكننا الافتراض أن الوظائف ستنشأ بصورة تلقائية بمجرد قيامنا بكل ما هو صحيح. فقد كان هناك اعتقاد خاطئ وشائع أعاق مسيرتنا ألا وهو أن "مليارات وتريليونات الدولارات من القطاع الخاص متوفرة ومتاحة"، ولم يكن هذا الاعتقاد بعيداً عن الواقع فحسب، بل أدى أيضاً إلى شعور بالرضا والتراخي، حيث اعتمد على فكرة أن التنمية ستتحقق تلقائياً دون الحاجة إلى وضع الأسس الضرورية لتحقيقها.

في الواقع، لا تتدفق الاستثمارات الخاصة إلا عند تهيئة الظروف المناسبة ووجود احتمالات واضحة لتحقيق العوائد المرجوة. ولتحقيق ذلك، هناك أمران ضروريان: وجود أساس قوي للبنية التحتية، وبيئة تنظيمية يمكن التنبؤ بها. وبدونهما، لا تتدفق رؤوس الأموال ولا يمكن الاستفادة منها.

هنا يأتي دور مجموعة البنك الدولي في مساعدة الحكومات على تمويل مشاريع مرافق البنية التحتية الحيوية وضمان تعظيم الاستفادة من الموارد، بالإضافة إلى دفع عجلة الإصلاحات العملية، وخاصةً تحسين الأنظمة الضريبية وقواعد استخدام الأراضي لتسهيل ممارسة أنشطة الأعمال. ويرتبط التمويل المقدم من مجموعة البنك الدولي بتحقيق نتائج حقيقية على أرض الواقع، وبالتالي فإن كل دولار يُنفق يحقق أقصى أثر ممكن.

وبمجرد تهيئة الظروف المناسبة، يساعد ذراعا مجموعة البنك الدولي المعنيان بالقطاع الخاص - مؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار - الشركات على خلق فرص عمل من خلال توفير التمويل، والاستثمار المباشر في الشركات وأسهم رأس المال، وتقديم الضمانات، والتأمين ضد المخاطر السياسية. كما أنهما يدعمان تنمية المهارات المطلوبة لتلبية الاحتياجات المحلية. وهذه السلسلة المتصلة من مساندة القطاع الحكومي إلى دعم مشاركة القطاع الخاص ليست فريدة من نوعها فحسب؛ بل إنها فعالة في وقت يلزم فيه العمل الإنمائي على نطاق واسع ومستدام وبأقصى قدر من القوة والحيوية.

وخير مثال على ذلك هو "المهمة 300"، حيث تعهدنا بتوفير الكهرباء لنحو 300 مليون أفريقي بحلول عام 2030، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، تعهدت الحكومات بإجراء إصلاحات على صعيد السياسات واللوائح التنظيمية، والقيام باستثمارات مرتبطة بالتمويل الذي تقدمه المؤسسة الدولية للتنمية لضمان التنفيذ الفعال. وهذا يعطي مستثمري القطاع الخاص الثقة للمشاركة.

وفي ظل الضغوط التي تواجه الموازنات العامة للدول والتحديات العالمية وتباطؤ النمو، يتيح البنك الدولي لحكومات البلدان المساهمة فيه وسيلة فريدة للنهوض بأهدافها الاقتصادية والإستراتيجية. فمن خلال تعظيم الاستفادة من مساهمات دافعي الضرائب لتصل إلى عشرة أضعاف قيمتها، سنحوّل الاستثمارات المتواضعة إلى تدفقات رأسمالية واسعة النطاق.

فعلى مدار 80 عاماً، ساهم رأس المال المدفوع بقيمة 29 مليار دولار للبنك الدولي للإنشاء والتعمير، الذراع الرئيسي لمجموعة البنك الدولي لإقراض البلدان النامية، ولمؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، الذراعين المعنيين بالقطاع الخاص، في تعبئة حوالي 1.5 تريليون دولار من أجل التنمية. هذا يعني أن كل دولار استثمرناه حقق عائداً زاد على 50 دولاراً.  وبالنسبة لأشد بلدان العالم فقراً، تقدم المؤسسة الدولية للتنمية المنح والقروض منخفضة التكلفة، ويحقق كل دولار يتم التبرع به عائداً مضاعفاً يصل إلى 4 دولارات. وهذا من أفضل الاستثمارات في مجال التنمية بالنسبة للحكومات ودافعي الضرائب والعالم بأسره.

جدير بالاعتبار أن بلدان العالم النامية هي موطن الجيل القادم من العمال ورواد الأعمال والمبتكرين، وإذا تم دعم هذه المزايا الديمغرافية والاستفادة منها على نحو صحيح، ستساهم في دفع عجلة النمو العالمي لعقود قادمة. فهذه البلدان تمتلك موارد طبيعية وفيرة لدعم الصناعات وتوفير الطعام والمواد الغذائية لبلدان العالم وإحداث تحول نوعي في الاقتصادات. فالتنمية لا تستهدف الحد من المعاناة فحسب؛ بل تستهدف أيضاً الاستفادة من هذه الموارد الهائلة غير المستغلة.

 

هذه المقالة نشرت في الأصل بصحيفة فايننشال تايمز.


أجاي بانغا

رئيس مجموعة البنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000