بدأ مجتمع التنمية مؤخراً في زيادة اهتمامه بدعم جهود إيجاد الوظائف في البيئات الهشة والمتأثرة بالصراع والعنف. وعلى الرغم من أننا مازلنا نجهل الكثير هنا، فقد أحرزنا بعض التقدم: حيث يمكننا استخلاص الدروس من البرامج التي تم تمويلها من خلال استثمارات بقيمة 14 مليار دولار في إطار العملية الثامنة عشرة لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية، ومن عدد من تقييمات الأثر الجديدة.
وقد أوجزنا هذه الدروس في إصدارنا الأخير من مذكرة حلول الوظائف بعنوان "دعم الوظائف في البيئات الهشة والمتأثرة بالصراع والعنف". وفيما يلي بعض النقاط والرسائل الرئيسية.
المنح النقدية (وبعض الدعم العيني) لها سجل أداء جيد في زيادة مستويات الدخل
في البيئات الهشة والمتأثرة بالصراع والعنف، يُعد الاستثمار في مشروعك مجازفة كبيرة. فمصدر التمويل الوحيد المتاح يكون في الغالب مدخراتك العائلية أو الحصول على قرض من أحد الأقارب أو الأصدقاء. ويواجه العمال الشباب حالة من الإحباط بسبب طول الانتظار كي يتمكنوا من توفير ما يكفي من أموال لتأسيس نشاط تجاري صغير.
لذلك، ربما لا يكون مستغرباً أن نرى أن هناك نتائج جيدة في المشروعات التي تقدم منحاً مالية تتراوح قيمتها بين 200 دولار و 1000 دولار لأنشطة الأعمال الصغيرة (أو دعماً عينياً للأنشطة الزراعية). وبعد إجراء بعض تقييمات الأثر المبتكرة، فإننا نعكف الآن على التوسع في تقديم هذا الشكل من الدعم - على سبيل المثال، من خلال مبادرة إدماج الأنشطة المنتجة في منطقة الساحل، والتي يستفيد منها نحو 50 ألف أسرة. لكن لا تزال هناك بعض التساؤلات: إلى أي مدى يمكن للمستفيدين أن يكتفوا بالدعم النقدي المتواضع؟ وهل تدوم الفوائد؟ وماذا عن أولئك الذين لا يحصلون على الدعم - هل يواجهون منافسة أكثر حدةً، أو هل يجدون زبائن جدداً؟ وفي حين لا تزال هذه التساؤلات تبحث عن إجابات، فإننا نجد أن تقديم الدعم النقدي هو أمر يستحق الاهتمام والبحث باعتباره وسيلة لدعم الوظائف في البيئات الهشة والمتأثرة بالصراع والعنف.
إذا كان الهدف هو توفير وظائف أفضل الآن، علينا إعادة التفكير قبل أن نضع رهاناً كبيراً على التدريب على المهارات أو التمويل متناهي الصغر
في ظل تدني المستويات المهارية وانعدام فرص الحصول على التمويل تقريباً، تحتاج الاقتصادات الهشة والمتأثرة بالصراع والعنف إلى استثمارات مطردة في قطاعي التعليم والبنية التحتية المالية للبدء في بناء القدرات. أما إذا كان الهدف الذي نتوخاه يتمثل في تحسين الوظائف على المدى القصير، فإن تقديم التدريب الفني والتمويل متناهي الصغر لا يتمتع بسجل أداء طيب في هذه البيئات. وربما يبدو ذلك منطقياً بعض الشيء: فأداء إحدى العاملات الأكثر مهارةً لن يكون أفضل كثيراً إذا لم يتوفر لديها التمويل أو إذا كانت السوق التي تعمل فيها تعاني من الركود؛ وفي حالة أن تكون الاستثمارات الصغيرة محفوفة بالمخاطر، فلن يقبل سوى عدد قليل للغاية بتحمل المخاطر المصاحبة لتقديم قرض متناهي الصغر.
ونظراً لأن هذه النُهُج عادة ما تكون مرتفعة التكلفة بعض الشيء، فإن الأمر يستحق طرح بعض الأسئلة الصعبة حول ما هو الهدف الذي نتوخاه، وما إذا كان هذا الهدف قابلاً للتحقيق. لكن ثمة استثناءات لهذه الصورة المبسطة: فقد أظهرت مدارس المزارعين الحقلية، وخدمات الإرشاد الزراعي الرقمية، والتدريب على المهارات الشخصية، تحقيق نتائج واعدة بتكلفة محدودة.
برامج الأشغال العامة كثيفة العمالة تمثل وسيلة مجدية لزيادة مستويات الدخل على المدى القصير، لكنها قد لا تمثل حلاً للمشاكل على المدى الأطول
تمثل برامج الأشغال العامة كثيفة العمالة وسيلة بسيطة وسريعة نسبياً لتقديم دعم الدخل، ولذلك فهي أداة مهمة لدعم توفير الوظائف في حالات الكوارث الطبيعية، وتسريح الجماعات المسلحة، أو عندما يتسبب الصراع في اضطراب الأسواق بحيث يتعذر على أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة كسب لقمة عيشهم. وقد اُستخدمت هذه البرامج استخداماً فعالاً للإشارة إلى وجود تحوّل من أوضاع الصراع إلى التعافي.
ورغم ذلك، فإننا نخاطر في بعض الأحيان بالنظر إلى برامج الأشغال العامة كثيفة العمالة على أنها حل بسيط لطائفة متنوعة من المشاكل: بناء مهارات دائمة، ومساعدة المستفيدين على العثور على فرص عمل دائمة، ومنع نشوب الصراعات، وتمكين المجتمعات المحلية من أسباب القوة. وقد تنجح هذه البرامج في بعض الأحيان في هذه المجالات، لكن تلك المشاكل تتطلب في الغالب دعماً آخر، ومن الحكمة والحصافة أن نعتبرها "أهدافاً تتجاوز الهدف الأصلي منها" وأن نقيّم هذه البرامج على أساس ما تستطيع بالفعل تحقيقه: أي دعم مستويات الدخل في المدى القصير.
انخفاض الطلب في السوق يستحق قدراً أكبر من الاهتمام
تتطلع معظم البرامج الإنمائية التي تستهدف دعم الوظائف إلى تعزيز قوة الشركات والعمال. إلا أن اضطراب الأسواق يُعد إحدى السمات المميزة للاقتصادات الهشة، حيث يؤدي الصراع إلى إضعاف القوة الشرائية للمستهلكين، ويواجه التجار الذين ينتقلون من المزارع إلى القرى ومن القرى إلى البلدات والمدن مخاطر مادية ومالية. وقد يكون العثور على الزبائن أمراً صعباً، ولا يوجد ضمان بأن الاستثمارات سوف تؤتي ثمارها.
ولا يوجد حل مفضل، ولكن ثمة نهجين لتحفيز الطلب قد أحرزا بعض التقدم. أولاً، يجدر بنا أن نتساءل عن أفضل طريقة لتحويل الإنفاق الإنمائي الفعلي إلى زيادة في الطلب في الأسواق: فشراء المعونات الغذائية الإنسانية من الأسواق المحلية يمكن أن يحدث فارقاً كبيراً، كما يمكن للمدفوعات المقدمة لأغراض تسريح المقاتلين السابقين ولدعم شبكات الأمان الاجتماعي على حد سواء أن تعزز القوة الشرائية في الأسواق التي تعاني من الركود. ثانياً، ثمة مبرر قوي لتقديم الدعم المباشر لأولئك الذين يشكلون همزة وصل للأسواق، مثل الأسواق العامة. كما ينبغي أن تقوم بتجريب تدابير تجارية أفضل.
خدمات الدعم النفسي والاجتماعي جاهزة للاختبار على نطاق واسع
بدأ الباحثون والممارسون في الاهتمام بالعبء العاطفي المتعلق بكسب لقمة العيش في البيئات الهشة، ووضعوا برامج لتقديم الدعم. وعلى نطاق محدود، أظهرت دورات التدريب الجماعية القصيرة فاعليتها. وهي أيضاً تستحق اختبار ما إذا كان يمكن التوسع في إجرائها.
تستند هذه المدونة إلى مذكرة حلول الوظائف المعنونة "دعم الوظائف في البيئات الهشة والمتأثرة بالصراع والعنف"، التي نُشرت في أبريل/نيسان 2020، وهي السادسة في سلسلة مدونات تستند إلى البحوث والشواهد المستقاة من مذكرات الحلول التي تصدرها مجموعة الوظائف التابعة للبنك الدولي. وتوجز مذكرات الحلول النتائج المستخلصة من الأنشطة التي يمولها الصندوق الاستئماني الشامل متعدد المانحين لدعم الوظائف، ومن مصادر أخرى بناء على البحوث والتقييمات والتجارب والعمليات. ويحلل كل منها بإيجاز الجهود والتحديات، وتقدم تقييماً للممارسات الناجحة وغير الناجحة.
تشمل المدونات الخمس الأولى في هذه السلسلة ما يلي:
- المدونة 1 - تعزيز القوى العاملة الشاملة للجنسين: خمس طرق لجعل التدريب على المهارات يصب في مصلحة النساء
- المدونة 2 - تعزيز القوى العاملة الشاملة للجنسين: خمس استراتيجيات لتجاوز معوقات التشغيل التي تواجهها اللاجئات السوريات الشابات
- المدونة 3 - تعزيز القوى العاملة الشاملة للجنسين: ست استراتيجيات لزيادة فرص حصول الشابات على الوظائف الرقمية
- المدونة 4 - مذكرة حلول الوظائف: تكييف سياسات العمل مع التغير التكنولوجي
- المدونة 5 - مذكرة حلول الوظائف: أفريقيا تستورد أغذية سنوية بمليارات الدولارات. يمكن أن تخلق فرص عمل محلية بدلاً من ذلك
انضم إلى النقاش