نشر في أصوات

الإدارة الرشيدة – هدف الشعب

الصفحة متوفرة باللغة:

 Simone D. McCourtie / World Bank

 

في عام 1996، حينما كان جيم وولفنسون رئيسا لمجموعة البنك الدولي، أعلن أن "سرطان الفساد" يجب مكافحته بنفس القدر الذي نكافح به الفقر والجوع والمرض. ومع أن البحوث الجديدة تظهر أن ضعف المؤسسات العامة وتشوُّه السياسات الاقتصادية هما حاضنة ممارسات الفساد، فإن الكثيرين يشعرون أن الفساد ليس مشكلة اقتصادية بل سياسية. ومن الأفضل تركها للحكومات لا لخبراء التنمية.

ولكن حجة وولفنسون كانت مقنعة وبسيطة للغاية: يجب علينا مكافحة الفساد لأنه يؤدي إلى تحويل الموارد من الفقراء إلى الأغنياء، ويزيد من تكاليف إدارة منشآت الأعمال، ويُشوِّه النفقات العامة، ويُنفِّر المستثمرين الأجانب. وأخيرا وصف الفساد بأنه عقبة كأداء في طريق تحقيق تنمية سليمة ومنصفة. ومع هذا التركيز على الشفافية والمساءلة، أصبحت مكافحة الفساد والحاجة إلى الإدارة الرشيدة جزءا من أجندة البنك الدولي للتنمية. وبعد مرور قرابة 20 عاما، قد يكون من الصعب تقدير مدى أهمية هذه اللحظة.

واليوم نعلم أنه من الممكن إنهاء الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك خلال حياتنا. ولكننا نعلم أيضا أنه سيكون أمرا محفوفا بالصعاب، حافلا بالتحديات. وسيتطلب ذلك أيضا أن تفعل كل البلدان ما في وسعها في كل مجال من مجالات التنمية سواء في الصحة أو التعليم أو الطاقة أو أي مجال آخر تغطيه أهداف التنمية المستدامة الجديدة السبعة عشر. ومن بين هذه الأهداف في قائمة الجيل التالي للتنمية الهدف 16: الذي يحثنا على "النهوض بمجتمعات عادلة مسالمة وشاملة للجميع لا تقصي أحدا" من خلال بناء "مؤسسات فعالة وقابلة للمساءلة وشاملة للجميع على كل المستويات."

ويريد الناس في كل مكان إدارة عامة عادلة، وأحياء آمنة، والوصول في شفافية إلى العدالة. لكن سلامة الإدارة ليست مفيدة في حد ذاتها، وإنما لأنها أيضا لبنة أساسية من لبنات التنمية. ولا يمكنك إيجاد هذه اللبنة في غياب اللبنات الأخرى.

ونعلم من خبرات عملنا في مجموعة البنك الدولي أنه يوجد ترابط قوي وإيجابي بين نوعية المؤسسات ورخاء بلد ما.

ومن ناحية أخري، يُضعِف سوء الإدارة المزمن والفساد من معنويات المواطنين ويقوض ثقتهم في الدولة. ويعمق الفساد من الفقر إذ يصبح الفقراء أكثر عرضة للاستغلال وممارسات الرشوة في مقابل الحصول على خدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم. وآثار الفساد شخصية ومدمرة. ويجد الناس أنفسهم محصورين في دوامة الفقر أو عالقين في شرك لا فكاك منه يحول دون إطلاق كامل طاقاتهم. ولهذا كان من الضروري بناء ثقة المواطنين للتشجيع على نمو يشمل الجميع بمكاسبه.

وقد تعلمنا الكثير منذ أصبحت الإدارة الرشيدة جزءا من أجندة التنمية حتى لو لم تكن حلا سحريا لكل المشكلات.

إن العلنية والشفافية في إعداد الميزانية، مثلا، تؤدي إلى تحسين نواتج التنمية. ولكن إحداث أثر حقيقي يتطلَّب أن يشارك المواطنون في العملية: ويجب تضمين مطالبهم وإخضاع واضعي السياسات للمساءلة أمامهم. فهذا على نفس القدر من الأهمية التي تتمتع بها الرقابة على تطبيق الميزانية من جانب مؤسسات المساءلة الرسمية. ويؤدي وجود عملية مفتوحة إلى زيادة الكفاءة والفعالية في استخدام الموارد العامة، وفي الوقت نفسه بناء الثقة بين المواطنين وحكوماتهم.

وفي جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، أدى الاستخدام الفعال لبيانات الموازنة من جانب منظمات المجتمع المدني إلى زيادة المخصصات لمنح إعالة الطفل.

وتشير كل الدراسات إلى حقيقة أن التشاركية في إعداد الموازنة تساهم في تحقيق مكاسب إنمائية: تراجع وفيات الأطفال الرضع في البرازيل، واتساع نطاق تغطية الخدمات الأساسية في الهند، وتحسن توجيه برامج الحماية الاجتماعية في المكسيك.

وهناك مجال حيوي آخر هو المشتريات الحكومية، فحتى تنجز الحكومات أهم أولوياتها، سواء كانت بناء الطرق والسدود، أو توفير الأدوية في المستشفيات والكتب في المدارس، فإنه يجب في العادة إتمام نوع من المعاملات المالية الكبيرة. وبالنظر الى ضخامة الأموال التي تنطوي عليها مثل هذه المعاملات – التي تتراوح في العادة من 15 إلى 25 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلد المعني- فإن المشتريات العامة في العادة تكون عرضة لممارسات الفساد. ولذلك فإن إصلاح نظام المشتريات العامة قد يوفر المال ويساعد على تقديم الخدمات بسرعة أكبر وهو ما يبني ثقة المواطنين ويرفع معنوياتهم.

وفي تونس، عمل البنك الدولي مع الحكومة لتطبيق نظام جديد للمشتريات الإلكترونية أدى إلى زيادة نسبة التعاقدات التي يتم إنجازها في أقل من 120 يوما من 7 في المائة إلى 40 في المائة.

وفي بعض الأحيان يتعلق الأمر بمجرد التعرف على هوية المواطنين. وفي بنغلادش، كما هو الحال في بلدان كثيرة، يتعسر مع غياب وثائق الهوية القانونية فتح حسابات مصرفية، أو تسجيل ملكية الأرض، أو تسلم مدفوعات المساعدات الاجتماعية. وقد عملنا مع الحكومة لزيادة عدد المواطنين الذين لديهم وثائق هوية من نحو 10 في المائة قبل عشر سنوات إلى نحو 85 في المائة اليوم. ويستطيع الناس اليوم الحصول على الخدمات دون الاضطرار إلى اتباع إجراءات مطولة لإثبات وجودهم.

ويطلق على الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة "هدف الشعب". ومن المفيد ملاحظة أن شيئا ضروريا لمكافحة الفقر سيكون مُتضمَّنا في صميم هذا الهدف وهو حق كل فرد في الاعتراف بهويته ومعاملته معاملة عادلة وفي التعبير عن رأيه في مستقبل بلاده.


بقلم

سري مولياني إندراواتي

رئيس خبراء العمليات والمدير المنتدب، البنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000