نشر في أصوات

وضعت لتفشل؟ كيف تنهار اتفاقات السلع الأولية

الصفحة متوفرة باللغة:
Une plateforme de forage pétrolier et gazier dans le golfe de Thaïlande. Photo : © Red ivory/Shutterstock Une plateforme de forage pétrolier et gazier dans le golfe de Thaïlande. Photo : © Red ivory/Shutterstock

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أُبرِمت عدة اتفاقات لتنظيم أسواق السلع الأولية بهدف تحقيق استقرار الأسعار، وتجدَّدت هذه الجهود بعد طفرة أسعار السلع الأولية في السبعينيات من القرن العشرين، وحظيت دوماً بدعم من الأمم المتحدة. ومع أن هذه الاتفاقات أدَّت في البداية إلى استقرار الأسواق، ودعم الأسعار، فإنه على المدى الأطول، فقد تسبَّبت الأسعار المرتفعة في تراجع الطلب، وتحفيز الاستثمار والابتكار الذي أدَّى إلى دخول مُورِّدين جدد إلى السوق. وتُعد منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) واتفاقاتها مع كبار منتجي النفط الآخرين الجهد المتبقي الوحيد من هذا القبيل. ومن المرجح أن يتأثَّر اتفاق النفط في نهاية المطاف بأوجه القصور نفسها التي أفضت إلى انهيار ترتيبات سابقة.

الاتفاقات الأولى للسلع الزراعية

جرى التفاوض بشأن الاتفاق الدولي للقصدير أول مرة في عام 1954 بغرض الحفاظ على أسعار القصدير في حدود نطاق مُستحب من خلال التحكُّم في مخزونات الاحتياطي. وخلال العقود الثلاثة التي ظل فيها الاتفاق الدولي للقصدير فاعلا، استطاع رفع أسعار القصدير وتحقيق استقرارها، ولكن في أكتوبر/تشرين الأول 1985، أفلس المجلس الدولي للقصدير واضطر إلى إيقاف أنشطته الرامية إلى تحقيق استقرار السوق. ومع انهيار الاتفاق، هوت أسعار القصدير (في الأمد القصير)، وأُغلِق العديد من المناجم.

في عام 1962، وقَّعت معظم البلدان المنتجة للبن وكل البلدان المتقدمة المستهلكة للبن تقريبا الاتفاق الدولي للبن بغية تحقيق استقرار أسعار البن العالمية من خلال فرض حصص إلزامية للصادرات. ونجح نظام حصص الصادرات في تحقيق استقرار أسعار البن على الرغم من التقلبات الكبيرة في الإنتاج العالمي للبن. بيد أن الاتفاق الدولي للبن تعرض لضغوط متزايدة في أعقاب ظهور إمدادات جديدة من البن في السوق. ونظرا لعجز المنتجين الرئيسيين عن التوصل إلى اتفاق على كيفية توزيع حصص الصادرات فيما بينهم، تم تعليق العمل باتفاق البن في يوليو/تموز 1989، ومن ثم انهارت أسعار البن بنسبة 40%.

دخل الاتفاق الدولي للمطاط الطبيعي حيز النفاذ في عام 1979 وانهار خلال الأزمة المالية لشرق آسيا التي نشبت بسبب تقلبات أسعار العملة في ثلاث دول رئيسية منتجة: وهي إندونيسيا وماليزيا وتايلند. واستُخدِم المخزون الاحتياطي للمطاط في دعم أسعار المطاط، ولكن حينما انهار الطلب العالمي على المطاط الطبيعي، لم يستطع تحالف الاتفاق الدولي للمطاط الطبيعي الاستمرار في الاحتفاظ بمخزونات للاحتياطي. وأصبح الاتفاق يفتقر إلى مقومات الاستدامة وعوامل البقاء، وانهار في ديسمبر/كانون الأول 1999.

سوق النفط

شهدت سوق النفط أيضا خلال مراحل تاريخها جهودا لإدارة إمدادات المعروض. ففي الولايات المتحدة، كان يجري تنظيم صناعة النفط في الفترة من منتصف الثلاثينيات إلى أوائل السبعينيات من خلال نظام حصص الإنتاج الذي تفرضه لجنة سكك حديد تكساس، والرقابة على الواردات من خلال البرنامج الإلزامي لحصص استيراد النفط لعام 1959. ونتيجة لهذه التدابير، تأسَّست منظمة أوبك في عام 1960، وكان تصميمها إلى حد كبير مماثلا لنمط لجنة سكك حديد تكساس. وفي ذلك الوقت، كانت تساهم أوبك بنسبة 40% من إنتاج النفط العالمي.

إنتاج أوبك من النفط كنسبة من الإنتاج العالمي

إنتاج أوبك من النفط كنسبة من الإنتاج العالمي
المصدر: المراجعة الإحصائية لبريتيش بتروليوم، ووكالة الطاقة الدولية، والبنك الدولي. ملاحظات: ضمت البلدان غير الأعضاء في الأوبك (في عام 1998) كلا من النرويج والمكسيك وعُمان، وروسيا. وفي عام 2016، ضمت كلا من أذربيجان والبحرين وبروناي وكازاخستان وماليزيا والمكسيك وعُمان، وروسيا والسودان وجنوب السودان. وعرضت الولايات المتحدة وكندا (2020) الإسهام في تخفيضات الإنتاج من خلال تقليص طوعي للإمدادات في الأسواق. الحصص في عام 2020 حتى أبريل/نيسان 2020.

 

بدأت أوبك تُؤثِّر تأثيرا كبيرا على سوق النفط في عام 1973. ففي أعقاب الحظر النفطي في 1973-1974، زادت أسعار النفط بمقدار أربعة أضعاف. وأدَّى نقصان كبير في إمدادات المعروض من النفط أثناء الثورة الإيرانية 1979 إلى قفزات أخرى لأسعار النفط. واختارت منظمة أوبك تقييد إمدادات المعروض وإبقاء الأسعار مرتفعة خلال النصف الأول من فترة الثمانينات، ولكن بحلول عام 1985، انخفض إنتاج المملكة العربية السعودية من النفط بمقدار الثلثين تقريبا، وكانت السعودية في طريقها للخروج من السوق. ولاستعادة حصتها في السوق، رفعت المملكة إنتاجها بأكثر من 40% في غضون عام واحد، وهو ما أفضى إلى انهيار أسعار النفط. وفي أعقاب هبوط الأسعار، اتفق أعضاء أوبك على العودة إلى تطبيق تخفيضات الإنتاج.

جاء تخفيض الإنتاج في منعطف حاسم: فالاقتصاد العالمي كان يتعافى من الأزمة المالية الآسيوية، وبدأت أسواق السلع الأولية الصناعية تشهد بعضا من أكبر طفرات الطلب في التاريخ الحديث التي قادتها اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، لاسيما الصين. وبحلول يناير/كانون الثاني 2008، تخطت أسعار النفط 100 دولار للبرميل.

________________________________________

المتوسطات التاريخية لأسعار النفط الخام والأحداث الرئيسية

المتوسطات التاريخية لأسعار النفط الخام والأحداث الرئيسية
المصدر: البنك الدولي. ملاحظة: يُمثِّل سعر النفط الخام المتوسط التاريخي لأسعار خامات برنت ودبي وغرب تكساس الوسيط. كان آخر رصد في أبريل/نيسان 2020 (حتى 17 أبريل/نيسان).
وتشير الأجزاء المُظلَّلة إلى الانخفاضات الكبيرة للأسعار التي جعلت منظمة أوبك تجري تخفيضات كبيرة للإنتاج.

 

بدأ نمط اتفاق أسعار السلع الأولية يعيد نفسه. وأدت أسعار النفط المرتفعة في أواخر العقد الأول من القرن الحالي إلى دخول مُورِّدي نفط جدد إلى سوق النفط العالمية، منهم منتجو الوقود الحيوي، والرمال النفطية الكندية، والأهم من ذلك، النفط الصخري الأمريكي. وبفعل تزايد إمدادات المعروض من النفط، وانحسار التوترات الجيوسياسية، تراجعت أسعار النفط في عام 2014. وعلى الرغم من توقعات السوق، اختارت منظمة أوبك ألا تخفض الإنتاج في اجتماعاتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وهوت أسعار النفط بشدة إلى 30 دولارا للبرميل في يناير/كانون الثاني 2016. ومع أن تراجع أسعار النفط أبطأ وتيرة نمو الإنتاج خارج منظمة أوبك، فإن قطاع النفط الصخري الأمريكي أظهر قدرته على الصمود بفضل تخفيض التكاليف، وزيادة مستويات الكفاءة، والابتكار. وقررت أوبك استئناف تخفيضات الإنتاج في اجتماعها في سبتمبر/أيلول 2016 بدعوة منتجي النفط من خارج المنظمة إلى المشاركة، لاسيما روسيا والمكسيك مثلما فعلت في أعقاب الأزمة المالية في شرق آسيا.

الحصة من إنتاج النفط العالمي

الحصة من إنتاج النفط العالمي
المصدر: المراجعة الإحصائية لبريتيش بتروليوم 2019، ووكالة الطاقة الدولية (2019)، والبنك الدولي. ملاحظة: تُمثِّل سلسلة البيانات إنتاج النفط
للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وروسيا على الترتيب كنسبة من الإنتاج العالمي.

 

اتفاق خفض الإنتاج "أوبك +" في إطار التصدي لجائحة كورونا

لقد أدت جائحة كورونا إلى انهيار غير مسبوق للطلب على النفط وأسعاره، وتجدُّد الجهود الرامية إلى تدعيم سوق النفط. وفي مارس/آذار 2020، فشل تحالف أوبك + كما يُشار إلى المنظمة والمنتجين من خارجها في مد العمل بتخفيضات الإنتاج المتفق عليها. بيد أن الطلب على النفط بدأ يشهد بعضا من أشد موجات الانكماش في التاريخ الحديث بسبب توقف حركة السفر من جراء تفشِّي جائحة كورونا.

وللمرة الأولى، شهدت سوق النفط العالمية في الوقت نفسه زيادة المعروض بفعل السياسات، مع انهيار غير مسبوق للطلب، وهو أكبر انخفاض على الإطلاق. وانهارت أسعار النفط، وهوى أحد خامات القياس، خام برنت إلى أدنى مستوياته في عدة عقود بنهاية مارس/آذار. ومع التقديرات التي تشير إلى احتمال هبوط الطلب على النفط ما يصل إلى 10% في 2020، اتفق 23 منتجا للنفط (منهم روسيا والسعودية والولايات المتحدة) في 12 أبريل/نيسان على تخفيض تاريخي للإنتاج مقداره نحو 10 ملايين برميل يوميا.

وعادت هذه الجهود المُنسَّقة من أجل تحقيق استقرار سوق النفط ببعض النفع على أسواق النفط إذ ما لبثت الأسعار أن عكست مسارها. غير أنه من المحتمل على المدى الأطول، أن يتأثَّر أحدث اتفاق لأوبك بأوجه القصور نفسها التي أفضت إلى انهيار اتفاقات سابقة - وهي استخدام مصادر بديلة للطاقة وتحسن الكفاءة ودخول منتجين جدد يعملون خارج نطاق الاتفاق.

روابط ذات صلة

مجموعة البنك الدولي وجائحة كورونا

صدمة منقطعة النظير: جائحة كورونا تزلزل أسواق السلع الأولية

آفاق أسواق السلع الأولية، وتداعيات جائحة كورونا في ستة رسوم بيانية

المزيد من المعلومات: الموقع الإلكتروني لنشرة آفاق أسواق السلع الأولية

جون بافيس خبير اقتصادي أول في مجال الزراعة، مجموعة آفاق اقتصاديات التنمية


بقلم

جون بيفيس

خبير اقتصادي أول في مجال الزراعة، مجموعة آفاق اقتصاديات التنمية

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000